* الجانب الإسرائيلي طلب تفسيراً من فلسطين لظهوري المفاجئ وهدد بسجني * قوات الاحتلال كادت تعتقلني أثناء استقبالي ياسر عرفات في معبر رفح * قيادات أمنية فلسطينية استاءت لعودتي لخلافهم مع عرفات وطمعا في منصبي * المقدم محمد دحلان كان يطمع في منصبي رغم قلة خبراته الأمنية عندما عادت طلائع القوات الفلسطينية إلى مدينتي غزة وأريحا عام 1994، فاجأ الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الجميع بالإعلان عن ظهور اللواء مصباح صقر على الملأ بعد اختفاء دام قرابة الربع قرن، لم يكن فيها يعيش داخل فلسطينالمحتلة وفقط، وإنما يمارس العمل النضالي ضد الاحتلال الإسرائيلي على مراحل متعددة، وبذلك تلقت الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية صفعة قوية، وهي المؤسسة الأمنية المحترفة ذات الشهرة العالمية التي كثيرا ما تفاخرت بقدراتها وبمعرفتها ما يحدث في كل شبر من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، حيث كان ينشط اللواء صقر، الذي لم تكف يوما عن تتبع أخباره لتحرى إمكانية وجوده على قيد الحياة. وهروبا من هذا الفشل رفض الإسرائيليون بشدة الاعتراف بصقر وبوجوده داخل القطاع، وبموقعه الجديد كقائد لجهاز الأمن الوقائي، بل وهددوا باعتقاله، لكن المكائد لم تكن خارجية فقط، إذ وجد أيضا المكائد الداخلية بانتظاره ومحيطةً به من كل صوب، خاصة بعد أن آلمته تجاوزات الأجهزة الأمنية وانتهاكاتها، فضلا عن الفساد الذي استشرى في أوصالها، فقرر أن يرفع صوته بكلمة الحق، مناديا بإصلاحها وضبط ممارساتها، موجِّهاً في المذكرة التي قدمها إلى عرفات بعنوان «جهاز الأمن العام في عامه الثاني..ملاحظات على هامش التجربة»، نقده لمعظم قادتها وللرئيس عرفات ذاته، ودفع ثمن ذلك باهظا، حيث تم سجنه في غرف المجرمين والقتلة، رغم رتبته وماضيه العريق، واتُهِم بأنه «مختل عقليا»! صقر الذي رفض الحديث حول هذه الأمور بصراحة وبالتفاصيل لأكثر من 15 عاماً، نجحت «الشرق» أخيرا في فتح مستودع أسراره، وفازت ببعض ما اختزنه من أحداث وخفايا طواها الزمن. لماذا الآن؟ «قد يتساءل البعض لماذا أتحدث الآن بالضبط، وبعد مرور كل هذه السنوات؟ كل ما أستطيع قوله لك هو أن المصلحة العامة والخاصة على حد سواء كانتا تحولان دون ذلك، لقد زخرت تلك السنوات بأحداث جسام استشهد خلالها الرئيس عرفات، وفازت فيها حركة حماس بالانتخابات، تلا ذلك كله الاقتتال الداخلي وما تخلله من صدامات دموية، انتهت بهيمنة حركة حماس على السلطة في قطاع غزة، وحدوث الانقسام الفلسطيني المروع، وآمل أن يكون حديثي الآن بمثابة شهادة لله وإبرازاً للكثير من جوانب الحقيقية التي تم طمسها، كي تستفيد الأجيال القادمة من أخطاء الماضي»، كانت تلك أول كلمات بدأ بها اللواء صقر حواره مع «الشرق»، فالرجل الذي ينتمي إلى إحدى العائلات الغزية المعروفة، والذي أمضى في العملين الأمني والعسكري ما يناهز الخمسين عاماً، عزف خلالها عن التحدث للصحافة، وإن تكلم فبقدر، تجاوز حاجز الصمت بعد صدور كتابه الجديد «إصلاح الأمن الفلسطيني»، الذي قدم فيه كما هائلا من المعلومات عن تجربة الأجهزة الأمنية الفلسطينية منذ تأسيسها وحتى عام 2007، وهو ما وفر لنا المدخل لمستودع أسرار هذا «الشهيد الحي». جرى اللقاء في بيته الواقع بمدينة غزة، حيث بدا الرجل متواضعا وواثقا من نفسه، ورغم أنه في النصف الثاني من السبعينيات، إلا أن الهِرَم لم يستطع أن يغلب شيئين لديه حتى الآن، ذهنه المتوقد والنشط، ونظرات عينيه التي كانت تكشف عن ذكاء صاحبها، ومع أنه غادر المناصب الرسمية طوعا منذ أكثر من خمسة عشر عاما، إلا أنه مازال يحتفظ بهيبته كرجل عسكري محترف وك»شهيد حي» في الثورة الفلسطينية، وأحد الذين ما زالوا على قيد الحياة من الضباط الأوائل في جيش التحرير الفلسطيني، ومن المنتمين لحركة فتح منذ بداية تكوينها. يقول اللواء صقر»كنت منشغلا طيلة السنوات الثلاث الماضية في إنجاز كتابين حول الأمن القومي الفلسطيني، الأول هو «إصلاح الأمن الفلسطيني»، أما الثاني فكان بعنوان «انكشاف الأمن القومي الفلسطيني»، وقد صدرا معا أواخر العام الماضي. توقف ليطلق سعلة خفيفة، قبل أن يواصل: «على كل حال، كان الهدف من الكتابين هو تقييم تجربة الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية منذ لحظة نشوئها، وحتى انهيارها عام 2007، إثر المواجهات الدامية التي خاضتها مع كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري لحركة حماس». وهنا استوقفته «الشرق» بسؤال: ما رأيك سيادة اللواء لو أجلنا الحديث بهذا الشأن إلى نهاية مقابلاتنا؟ -لا بأس، يمكنك البدء من حيث تريد. -دعنا نبدأ إذن بالحديث عن دوافع تأليفك للكتابين المذكورين، خاصة أولهما، بحكم أنه أكثرهما أهمية، بحسب تقدير الخبراء؟ ازدادت جلسة الرجل اعتدالا، قبل أن يشرع بالقول «هنالك بالطبع دوافع عديدة، أهمها أن ملف إصلاح الأجهزة الأمنية هو أحد أهم ملفات المصالحة الفلسطينية وأكثرها تعقيدا، بل إن جل الفصائل الفلسطينية تجمع على أنه «الملف الأهم والأكثر حساسية وقابلية للانفجار»، ولأننا الآن بأمس الحاجة إلى بناء أجهزتنا الأمنية، التي كانت «أولى ضحايا» الانقسام الفلسطيني، وذلك على أسس وطنية ومهنية سليمة بعيدا عن التجاذبات السياسية، فإن الأمن هو واحد من أهم أسس الاستقرار على الصعيدين الداخلي والخارجي وعلى جميع الصعد في أي مكان في العالم: سياسيا واقتصاديا واجتماعيا». كانت هنالك بالطبع تحديات أخرى دفعت اللواء صقر إلى تأليف الكتابين، ومن بينها «التحدي الأكبر» الذي يواجه الفلسطينيين جميعا: الاحتلال الإسرائيلي، بكل سياساته وممارساته التي تستهدف الأمن الفلسطيني بمفهومه الشامل، عبر محاولات إسقاط العديد من الفلسطينيين في فخ العمالة، مع التمادي في سياسات الاعتقالات والاغتيالات والتهجير القسري والاستيطان ونهب الأراضي، فضلا عن حصار القطاع وشرذمة الضفة إلى «كانتونات» صغيرة، كل هذا يستلزم بلورة مفهوم ورؤية أمنية شاملة متوافق عليها لدى الفلسطينيين، تنبثق عنها إستراتيجية وخطط للتوافق عليها سواء للأجهزة الأمنية أو للمقاومة، وهو أمر غير متوفر حتى الآن. كيف تعاملت إسرائيل مع حقيقة ظهور صقر وتوليه قيادة جهاز الأمن الوقائي؟ سؤال كانت «الشرق» تتشوق لسماع الإجابة عليه منذ اللحظات الأولى للقائها مع اللواء مصباح، فأجاب: «بعدما أفاقت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من صدمة ظهوري، هبَّت على الفور تخطط لتصدير المشكلة للجانب الفلسطيني، مدعية أنني لم أكن موجودا في قطاع غزة طوال هذه الفترة، وأنني دخلته بصورة غير شرعية بعد قيام السلطة الفلسطينية، وفي عدد من الوثائق التي عرضتها في الملحق 12 من كتاب «إصلاح الأمن الفلسطيني»، كان واضحا أن الجانب الإسرائيلي الذي رفض الاعتراف بظهوري وبمنصبي ظل يطلب بإلحاح من الجانب الفلسطيني تفسيرا لدخولي المزعوم خلافا لما نص عليه الاتفاق ، مهددا باعتقالي في حالة وجودي في أي منطقة تحت سيطرته، حيث لم يكن سهلا عليهم أبدا أن يتقبلوا فشلهم الاستخباري لمدة تقترب من الربع قرن، وسأريكم شيئا مهما من تذكاراتي في هذه الفترة». بدأ الرجل يبحث في ملفاته التي تراصت بانتظام كما اعتاد على ذلك طوال حياته، وطوال مدة الحوار، كان يعزز كل جواب عن تساؤلاتنا بوثيقة تؤكد ما يقوله، وليثبت أنه لا «يتكلم جزافا» أو بعشوائية أبدا، راح الرجل يبحث بين ملفاته، وهو يتمتم: «لعلني وضعتها في هذا الملف؟»، قبل أن تلمع عيناه فجأة وهو يقول: «ها هي!»، فيما أمسكت يداه بأوراق صفراء يبدو عليها القدم، لوح بها باسما وهو يردف: «أتعلمون ما هذه الأوراق؟ إنها»شهادة وفاتي وحجة حصر الإرث! وقد احتفظت بهما على سبيل الذكرى»، ثم أعاد الوثيقتين إلى مكانهما الأول بحرص، وهو يكمل: «لم يصدق الإسرائيليون أبدا أنني استشهدت، رغم كل ما تواتر عن استشهادي من أقوال وإجراءات، وبالتالي ظلت شكوكهم في بقائي على قيد الحياة تتعاظم يوما بعد يوم دون أن يصلوا إلى أي دليل قاطع على ذلك، بدليل أن أفراد أسرتي وبعض أقربائي بدأوا منذ بداية الثمانينات وحتى ما قبل قدوم السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، يشعرون بالعيون التي تحوم من حولهم، بل إن أحد أبناء أخي، ويدعى نائل، تم التحقيق معه وتعذيبه عام 1987 بسجن غزة المركزي، قال إن السؤال الملح الذي تكرر خلال التحقيق معه هو»أين عمّك مصباح صقر؟، لذلك لم تكن عودتي أمرا قابلاً للنقاش من قبل الإسرائيليين الذين كانوا بين ثلاثة خيارات في التعامل معي: إما اعتقالي أو قتلي أو إبعادي نهائيا عن القطاع وعن العمل الأمني». وكادت عملية الاعتقال تتم بالفعل خلال استقبال ياسر عرفات في المرة الأولى التي دخل فيها إلى قطاع غزة، فعندما توجه «اللواء مصباح صقر» مع عدد من كبار القادة العسكريين لاستقباله في معبر رفح ودخلوا إلى المعبر، لاحظ «صقر» وجود تحركات غريبة من قبل الجانب الإسرائيلي، وحدث حوار بين بعض الضباط الإسرائيليين واللواء «نصر يوسف» مدير الأمن العام آنذاك، فوجئ بعده باللواء «عبد الله الفرا» يطلب منه ضرورة مصاحبته إلى خارج المعبر، ليقول له بعد أن أصبحا خارجه «حمداً لله على سلامتك، الإسرائيليون كانوا سيعتقلونك، لولا احترامهم لزيارة الرئيس عرفات»، مما أثار الشكوك في نفسه إزاء هذا التصرف المريب، خاصة وأن الإسرائيليين وافقوا على دخوله للمعبر بعد أن حصلوا على أسماء جميع قادة الأجهزة الأمنية الذين سيكونون في استقبال عرفات. والتأمل في الوثائق التي نشرت في الملحق 12 من كتاب «إصلاح الأمن الفلسطيني» يظهر بالفعل مدى التوتر والغضب الإسرائيلي الذي أعقب ظهور «اللواء مصباح صقر»، في ظل احتفاء الرئيس ياسر عرفات به وإطلاق لقب «الشهيد الحي» عليه، ففي محضر أحد اجتماعات اللجنة الأمنية المشتركة الفلسطينية الإسرائيلية، انتقد الجانب الإسرائيلي بشده ظهوره، وقال ممثله في الاجتماع «لا نقبل أي شرح لموضوعه، نريد أن نعرف كيف تم إيقاظه من المقبرة، وقد قابلناه في منطقتنا، ولم نقبل أن نتخذ أي تصرف ضده احتراما لزيارة السيد عرفات، وفي المرة القادمة، وفي أي مرة سنلقي القبض عليه، ووجوده في منطقة الحكم الذاتي خرق للاتفاق». لكن الأكثر إثارة هو ما كشفه «صقر» ل»الشرق» عن قناعته بتعرضه خلال وجوده في معبر رفح لاستقبال عرفات، لشحنة من الأشعة المسرطنة بعدما تم توجيه أحد الأجهزة إليه بشكل مباشر، أصيب على أثرها بالسرطان، وهو ما يؤكد أن إسرائيل لم تكن تريد فقط التشويش على ظهوره وعدم التعامل معه بأي شكل من الأشكال، بل وإنهاء حياته أو على الأقل تحويله إلى رجل مريض لا يمكنه ممارسة العمل الأمني أو العسكري. ويؤكد صقر أن هذا الاستهداف الإسرائيلي لم يكن موجها لشخصه بقدر ما كان موجها لرمزية عملية اختفائه الطويلة، باعتبارها تحديا غير مسبوق لا يمكن الاعتراف به أو قبوله لدى العنجهية الصهيونية. وهنا سألته «الشرق»: «لكن كيف تعاونت قيادات الأجهزة الأمنية معك لتجاوز هذه الفترة الحساسة؟». لاحت ابتسامة ساخرة لم نفهم مغزاها، قبل أن يكمل: «بل المفروض أن يكون السؤال عن كيفية تعاون بعضهم مع إسرائيل لإنجاح مخطط إزاحتي عن المشهد الأمني الفلسطيني؟، فقبل عودة الرئيس الراحل عرفات إلى الأراضي الفلسطينية، تفاجأ الكثيرون منهم بقرار تعييني قائدا لجهاز الأمن الوقائي لكل من الضفة الغربية وقطاع غزة! لأن غالبيتهم لم تكن تعرف عني شيئا! وفي تقديم للواء عمر عاشور لكتاب «إصلاح الأمن الفلسطيني»، فإنه يروي حقيقة أن الإسرائيليين جهزوا شخصين كي يتوليا قيادة هذا الجهاز في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث كان من المنتظر أن يتولى جبريل الرجوب قيادة الجهاز بالضفة، ويتولى دحلان قيادته بغزة. ويستشهد «اللواء عاشور» بكتاب «المسيرة»، لرئيس طاقم المفاوضات الإسرائيلي في أوسلو أوري سفير، الذي تحدث فيه بشكل مباشر عن لقاءات سرية بين ضباط إسرائيليين رفيعي المستوى مع الرجوب ودحلان تمت في جنيف وغيرها، لتنسيق توليهما مسؤولية الأمن الوقائي في الضفة الغربية وقطاع غزة. «الشرق»: معنى ذلك سيادة اللواء أن عددا من قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية لم يكن يريدك في هذا المنصب؟، أجاب صقر: «نعم هذا صحيح، استقبل بعضهم ظهوري بفتور أو بجفاء شديد، خاصة بعد احتفاء عرفات بي، وتعيينه لي في هذا المنصب الحساس، وبصراحة بداية هذه العلاقة كانت مثيرة لاستغرابي تماما، فبدلا من أن تتميز هذه العلاقة على الأقل بالقبول، انقسم زملائي في التعامل معي حسب موقفهم من عرفات نفسه أو طمعهم في منصب رئاسة الأمن الوقائي، الذي لم أكن يوما مغرما به لولا أنه تكليف لم يكن بوسعي وقتها رفضه». ويحدثنا صقر عن القسم الأول من هؤلاء بقوله «هؤلاء كانوا على خلاف مع عرفات وليس لهم سابق معرفة بي وبتاريخي في جيش التحرير الفلسطيني أو انتمائي المبكر لحركة فتح، لذلك اعتبروا قصة اختفائي من اختراع «الحاوي عرفات»، ومن ثم حرصوا منذ البداية على إبعادي عن وسائل الإعلام أو منع تحولي لرمز، فعلى سبيل المثال كان من المفترض أن يرتب أحد القادة المنتمين لهذا القسم عملية ظهوري لأول مرة على الملأ في إحدى قاعات مجمع «أبو خضرة» الحكومي، لكنهم أخبروا وسائل الإعلام أن ظهوري سيكون في «المنتدى» على شاطئ البحر ، وهكذا تم ظهوري دون حضور أي وسيلة إعلامية، وقد بدا المغزى من هذا كله واضحا لكل ذي عينين، وهو أن تستمر غيبتي في عيون الناس، كي يسهل عزلي عن منصبي لاحقا، وبما يتقاطع ولو عن غير قصد مع التوجه الإسرائيلي المعادي لي». ثم تابع قائلا: «هنالك ما هو أسوأ مما سبق ذكره بكثير، فإن عددا من القادة الأمنيين الذين شاركوا في حضور جلسات لجنة الارتباط الفلسطينية الإسرائيلية المشتركة المعروفة اختصاراً بال(J.S.C)، وسمع بأذنيه بذاءات الطرف الإسرائيلي وتهجمهم عليّ وتهديدهم لي بالاعتقال وعدم الاعتراف بي وبموقعي، كانوا يجارون الإسرائيليين في موقفهم، ولم يحاولوا مجرد تقديم وجهة النظر الرسمية التي يمثلونها كما ينبغي، واكتفوا بدور ساعي البريد». لكن قسما ثانياً كان يعد العدة لإنهاء بقاء اللواء مصباح صقر رئيسا لجهاز الأمن الوقائي، منتظراً الفرصة الحاسمة التي يمكن من خلالها أن يقفز على هذا الكرسي، وفي مقدمتهم كما يؤكد «صقر» المقدم محمد دحلان الذي عُيِّن مساعدا لقائد جهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة بالرغم من قلة خبرته العسكرية وعدم حصوله على أي مؤهل أمني يجعله صالحاً لشغل هذه المهمة، ومع ذلك كان طموحه الجامح يتجاوز منصب المساعد إلى منصب رئيس الجهاز، كما يقول مصباح نفسه. المجال أصبح مفتوحا في هذه المرحلة أمام الحديث عن علاقة صقر بمساعده المقدم محمد دحلان، والتغير الدراماتيكي الذي حدث في علاقته مع الرئيس عرفات، بعد «مؤامرة الايقاع به التي قادها محمد دحلان بالتوافق مع قادة أخرين»، حسب قوله، التي انتهت بحجزه والادعاء بإصابته باختلال عقلي، وغيرها من التفاصيل التي أبت عقارب الساعة أن تسمح لنا بإكمال الحديث معه عنها، فالساعة قد تجاوزت العاشرة، فيما لم يمض على فتح بوابات مستودع الأسرار سوى ساعات ثلاث فقط، استلزم تلخيصها جهدا مضاعفا وكبيرا، وكان لابد لنا من إنهاء «الحلقة الثانية» كي نعود إلى اللواء صقر من جديد في موعد آخر، على أن تتناول جلساتنا القادمة الحديث في مختلف النقاط التي توقفنا عندها بشكل أكثر تفصيلا، لكل نقطة على حدة، والتي سيكشف «صقر» ل «الشرق» ما جرى معه خلالها، وذلك ل «الشرق» وحدها حصريا. محطات في حياة اللواء مصباح صقر اختصار الفترة الأولى من حياة «اللواء مصباح صقر»، والتي تمتد من ميلاده نهاية عام 1934 وحتى حرب يونيو 1967، لم يكن أمرا سهلا، فهي زاخرة بالتفاصيل الدقيقة والمهمة التي مازال يحتفظ بها عن الحياة الاجتماعية والسياسية والعسكرية في قطاع غزة الذي كان خاضعا للإدارة المصرية بعد نكبة 1948، ولأننا كنا على موعد مع تفاصيل أكثر في المراحل التالية، سنمر على المفاصل الرئيسية منها. فمنذ سنوات طفولته هزت مشاعره أحداث النكبة ، على الرغم من عدم معاناته من ويلات الهجرة كباقي أطفال اللاجئين خلال هذه الفترة، كون عائلته إحدى عائلات مدينة غزة التي لم تحتل خلال الحرب، لكنه عايش كل تفاصيل هذه الفترة عبر مشاركته في جمع المساعدات الإغاثية للاجئين من خبز وملابس وغيرها من متطلبات الحياة وتقديمها لهم، وهو ما أتاح له الاستماع لقصص معاناتهم، وعبر مراقبته لموقع الدفاع الجوي التابع للقوات المصرية الذي كان على بعد أمتار من بيته، فأتاح له ذلك أن يشكل ملامح شخصيته التي تجمع بين الانتماء للقضية الفلسطينية والإيمان بضرورة المقاومة لإزاحة المحتل عن الأرض التي احتلها. وفي سنوات شبابه الأولى في خمسينات القرن الماضي بحث «مصباح صقر» عن مكان له في فضاء مدينة غزة المزدحم بأثار النكبة التي لم يكن قد مر عليها سوى سنوات معدودات، التحق بجمعية «التوحيد» التي كانت المؤسسة الوحيدة ذات التوجه الإسلامي في القطاع في ذلك الوقت، وهناك التقى بشباب أخرين كان لهم بعد ذلك السبق في الانتماء للرعيل الأول لحركة فتح ، لكن الشاب الطموح انجذب إلى أفكار المد القومي التي كانت رائجة وقتها، فأسس مع رفقاء له عام 1952 أول خلية لحزب البعث العربي الاشتراكي في قطاع غزة في ظل حالة من الفراغ السياسي الناجم عن انهيار الأحزاب الفلسطينية بعد النكبة، وتنقل في العمل كمدرس في المدارس الحكومية ومدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين . - تنويه تنوه صحيفة «الشرق» لقرائها الكرام بأن ما نُشر في الحلقة الأولى من حوارها مع اللواء مصباح صقر هو مسودة الحلقة، ونظراً لاحتواء النسخة النهائية على بعض التعديلات والمعلومات الجديدة، فإننا سننشرها على مدى الحلقات المتبقية في جزء خاص تحت عنوان «محطات من حياة اللواء مصباح صقر»، لذلك وجب التنويه. عرفات يشارك صقر العزاء في أحد أفراد أسرته (الشرق)