استخدمت الأممالمتحدةوعواصم عدَّة أمس لهجة تنديدٍ صارمةً بعد إعلان كوريا الشمالية إجرائها ب «نجاح» أول اختبارٍ لقنبلةٍ هيدروجينية، بينما شكَّك خبراء في الإعلان لأن النشاط الزلزالي الذي رُصِدَ يوازي في نظرهم تفجير قنبلةٍ أقلَّ قوة. ودعت الأممالمتحدة، عبر أمينها العام بان كي مون، بيونج يانج إلى «التوقف عن أي نشاط نووي والوفاء بالتزاماتها على صعيد نزع هذا السلاح في شكلٍ يمكن التحقُّق منه». ووصف الأمين العام، في تصريحاتٍ صحفية، التجربة النووية الرابعة لبيونج يانج ب»مقلقة للغاية»، ورأى أنها تزعزع بشدَّة استقرار الأمن الإقليمي و»تقوِّض بشكلٍ خطير الجهود الدولية في مجال عدم الانتشار النووي»، مُندِّداً ب «الانتهاك الصارخ الجديد لعديد من قرارات مجلس الأمن رغم الدعوات الموحَّدة التي يوجِّهها المجتمع الدولي لوقف هذه الأنشطة». ولفت بان كي مون إلى مراقبة منظمته التطورات عن كثب في تنسيقٍ وثيقٍ مع المنظمات ذات الصلة مثل منظمة حظر التجارب النووية. في الوقت نفسه؛ أفاد السفير البريطاني لدى الأممالمتحدة، ماثيو رايكروفت، باعتزام الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي تشديد العقوبات الدولية على كوريا الشمالية. وقبيل مشاورات طارئة في مقر المجلس في نيويورك مساء أمس؛ أبلغ السفير البريطاني الصحفيين بقوله «سنعمل مع أعضاء آخرين على قرار يتضمن عقوبات إضافية». ولم يحدِّد رايكروفت الدول التي تعتزم لندن التعاون معها، لكن الأمر يتعلق خصوصاً بالولاياتالمتحدةواليابان اللتين طالبتا بعقد اجتماع طارئ. وتوقع دبلوماسي مطَّلع اكتفاء المجلس في مرحلة أولى بإصدار بيان يندِّد بشدَّة بالتجربة الجديدة الكورية الشمالية التي دانتها كل العواصم الكبرى، على أن يترُك لخبرائه ودبلوماسيين إعداد قرار لاحق يفرض عقوبات جديدة مُحدَّدة الهدف. وأدت 3 تجارب نووية سابقة لبيونغ يانغ في أكتوبر 2006 ومايو 2009 وفبراير 2013 إلى تشديد العقوبات الدولية عليها. ويستهدف هذا التدبير خصوصاً مؤسسات مالية وشركات مرتبطة بالأنشطة النووية أو البالستية. وفي ساعة مبكرة من فجر أمس؛ فوجئ العالم بإعلان بيونغ يانغ اختبارها ب «نجاح» جهاز نووي هيدروجيني مصغَّر، ما يعد تقدُّما لافتاً في القدرات الهجومية للدولة المنعزلة يدقُّ ناقوس الخطر في اليابانوكوريا الجنوبية. وأوردت وكالة الأنباء المركزية الكورية (الشمالية) أن الاختبار جاء بأمرٍ من زعيم البلاد الشاب، كيم جونج أون، و»تمَّ بنجاح في الساعة العاشرة صباحاً بالتوقيت المحلي (01:30 بتوقيت جرينتش)». وكتب كيم في مذكرة بخط اليد عرضها التليفزيون الرسمي «لندع العالم ينظر إلى الدولة القوية المسلحة نووياً المعتمدة على نفسها». وشكَّك مسؤولون في مخابرات كوريا الجنوبية ومحللون فيما إذا كان تفجير الجهاز النووي الهيدروجيني اختباراً كاملاً. لكن الخطوة أثارت إدانة دولية حتى من الصين وروسيا، الحليفتين الرئيستين لكيم جونج أون. وأقرت بكين بأنها لم تكن على علم مسبق بالاختبار، وعبَّرت عن «معارضتها القوية»، كاشفةً أنها ستقدِّم احتجاجاً رسمياً إلى بيونج يانج. وكان تفجير السلطات الكورية الشمالية جهازاً نووياً رابعاً متوقعاً منذ أمد بعيد، لكن الحديث عن اختبارٍ لجهاز هيدروجيني، وهو أقوى بكثير من القنبلة النووية، كان مفاجأة. وسيتحوَّل الملف إلى موضوعٍ رئيسٍ في حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية. وعلَّق الخبير الأمريكي في شؤون كوريا الشمالية، مايكل مادن، قائلاً «مع استبعاد إيران من على الطاولة؛ وضع الكوريون الشماليون أنفسهم على رأس جدول أعمال السياسة الخارجية في مصاف الدول التي تمثل تهديداً للولايات المتحدة». وأوضح مكتب نائب في لجنة المخابرات في البرلمان الكوري الجنوبي أن قدرة الجهاز الذي فجره الجار الشمالي تصل إلى نحو ستة كيلو طن. وشكَّك يانج أوك، وهو باحث كبير في منتدى الدفاع والأمن الكوري الجنوبي، في صدق رواية بيونج يانج، وقال «بالنظر إلى الحجم؛ من الصعب تصديق أن هذه قنبلة هيدروجينية حقيقية». ورجَّح أنهم «ربما اختبروا نوعاً من مرحلة متوسطة لجهاز بين قنبلة نووية وقنبلة هيدروجينية .. لكن دون أن يتوصلوا إلى أي دليل واضح؛ فمن الصعب الثقة في زعمهم». وذهب الخبير النووي ورئيس منظمة «صندوق بلاوشيرز» الأمنية، جو سيرينسيون، إلى القول إن كوريا الشمالية خلطت على الأرجح أحد نظائر الهيدروجين في انفجار قنبلة نووية انشطارية عادية «لكنها ليست قنبلة اندماجية حقيقية قادرة على تحقيق نتائج هائلة بكثير من الميجا طن التي تُخلِّفها مثل هذه القنابل». وأفادت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية بوقوع زلزال قوته 5.1 درجة قالت كوريا الجنوبية إنه على بعد 49 كيلومتراً من موقع أجرى فيه الجار الشمالي تجارب نووية في الماضي. وكان آخر اختبار نووي كوري شمالي سجل في 2013 زلزالا قوته 5.1 درجة على مقياس هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية. واعتبر البيت الأبيض أنه لا يمكنه تأكيد مزاعم بيونغ يانغ، لكنه تعهد بأن تردَّ الولاياتالمتحدة على الاستفزازات بالشكل الملائم وب «الدفاع عن حلفائها». واستخدم رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، لهجة صارمة أيضاً، وتوعَّد بالردِّ على التحدي لقواعد حظر الانتشار النووي. وصرَّح آبي للصحفيين بأن «هذا الاختبار النووي تهديد خطير لأمن بلادنا .. ولا يمكن أن نتسامح مع ذلك بالتأكيد». بينما بيَّنت كوريا الجنوبية أنها ستتخذ كل الإجراءات الممكنة بما في ذلك دعوة الأممالمتحدة لفرض عقوبات لضمان أن تدفع بيونج يانج ثمناً لتجربتها النووية الرابعة. ودعت رئيسة كوريا الجنوبية، باك جون هاي، في بيانٍ لها الحكومة إلى «العمل عن كثب الآن مع المجتمع الدولي لضمان دفع كوريا الشمالية الثمن الملائم للاختبار النووي الأخير»، متابعةً «علينا أن نردَّ بحسم عبر إجراءاتٍ مثل عقوبات دولية قوية». وكانت وسائل إعلام في بكين تحدثت أمس عن تعرض المدن الصينية الواقعة على الحدود مع كوريا الشمالية، يانجي وهونشون وشانجباي، إلى هزَّات بسبب تجربة القنبلة الهيدروجينية. وعرض التليفزيون الصيني لقطات صوَّرتها كاميرات مراقبة يظهر فيها اهتزاز على الطرق السريعة في مدينة يانجي التابعة لمقاطعة جيلين الشمالية الشرقية. ولاحظ عددٌ من سكان المدينة اهتزاز الموائد والمقاعد عند حدوث الهزات، وأورد التليفزيون أن عدداً من الشركات والمدارس أخلت مبانيها. وعلى الإثر؛ أجلت السلطات سكان يقيمون بالقرب من الحدود. وظهرت تشققات على ملعب رياضي في مدرسة ثانوية في يانجي، وتم إجلاء التلاميذ الذين كانوا يخوضون امتحاناً. وفي فيينا، أبلغت المنظمة المسؤولة عن الحظر التام للتجارب النووية عن رصدها نشاطاً زلزالياً «غير عادي» في الأراضي الكورية الشمالية.