ليس من السهل أن تعوّد عقل القارئ على كتابة نمطية واحدة، ذلك أن مسار ذاكرته يكاد يكون متنوعا، وأكثر انفتاحا في مرحلة المابعد هذه المرحلة التي تنمّي كتلة الفهم وتذهن جينات الذاكرة الثقافية لديه. “لا تقود الكتابة إلا إلى المزيد من الكتابة” كما في رأي الروائية الفرنسية كوليت فهي ليست بمعضلة ذاتية، بقدر ماهي ممارسة للتجريب كطبيعة نوعية يجب أن تهيمن على أنواع الكتابات الأدبية، ونبذ النماذج السائدة في الإبداع، مما يكسبها -أي الكتابة الأدبية- طابعا فنيا يؤثث لمرحلة انتقالية تجديدية تهتم بتقنيات الكتابة وبعوالم الحياة المتنوعة. فالتجريب قيمة فنية تضيف الابتكار والتجديد في بنية النص الأدبي، سواء كان ذلك في بنية المفردة أو الوصف أو الصورة أو على مستوى المضمون أو الشكل.. حتى يتم التأسيس لكتابة تتلاءم وإفرازات هذا العصر بشكل حداثي، وبطابع جمالي يطرد حالة الركود والجمود التي ابتلي بها النص الإبداعي منذ عهود ماضية. ما المانع من أن يجرب الكاتب في إبداعه؟ أجد أن هناك استعلائية تنفرد بها تلك الكتابات القديمة، بحيث لا تقبل أن تنخرط في حداثة النص الأدبي، وهذا يحيلنا إلى مفهوم (جدلية الحداثة) بمفهومها الشاسع التي نبذها فريق من الكتاب المتزمتين، الذين لا يؤمنون بمثاقفة النص ولا يدركون أهمية هذا المشروع التجديدي، بل يقومون بفعل الوصاية على كل كتابة تجريبية متجددة وهنا يكمن العائق الأكبر لكثير من الكتابات الأدبية. ليس هناك أدنى مانع من أن يجرب الكاتب، فالإنسان بطبعه يحمل هوية التجديد والتجريب في كثير من أمور الحياة والخطاب الأدبي يستوعب كل أنواع التجريب وفق نسق أنموذجي يهتم بذائقة القارئ وبثقافته.