كثير منا سمع عن الطيارين اليابانيين وشاهد الأفلام الوثائقية المصورة لحظة اصطدام الطائرات المحملة بالذخائر والمتفجرات على البواخر الأمريكية وتدمير أساطيلهم؛ وذلك نهاية الحرب العالمية الثانية. كان الطيارون اليابانيون أشجع وأبسل من الطيارين الآخرين من رفقائهم في دول المحور وأكثر ضراوة من طياري دول الحلفاء. كانوا انتحاريين من الدرجة القصوى، ولم تكن في نفوسهم عدوانية على ذواتهم، وإنما كان ذلك في سبيل عزة وطنهم وحمايته من الاستعمار والاحتلال، بغض النظر إن كانت اليابان آنذاك مخطئة على دول الجوار أو لا وخاصة أعمالها الوحشية بحق الصينيين والفلبينيين، وذلك إبان احتلال اليابان لشرق آسيا وإحكام سيطرتها على المحيط الهادئ وجزره، إنها شجاعة بحق تُضرب بهم الأمثال لأولئك الشجعان. تعود فكرة الكاميكازي إلى التاريخ القديم من ذاكرة اليابان، وهي لفظة تُشير في الأساطير اليابانية من جذور ديانة الشنتو بالرياح المقدسة والعواصف المعجزة التي هبت فجأة لتدمير الأسطول الصيني المهاجم أثناء اقترابهم من الشواطئ اليابانية وذلك في فترة القرون الوسطى. والغريب في أمر الكاميكازي إذا أخطأ الهدف وسقطت طائرته نتيجة المضادات للطائرات يقوم على الفور بتفجير نفسه بقنبلة يدوية مشابهة لطريقة الساموراي الذي يعتبر الاستسلام نقصاً بالشجاعة وإهانة للكرامة وهي أسطورة قديمة لأشجع محارب ياباني الذي قَدم على الانتحار بجز بطنه بالسيف من الأعلى إلى الأسفل من البطن أو من الجوانب؛ على مرأى من الحضور ولقد طبقها أحد الأدباء اليابانيين في القرن العشرين. حيث قرأت في أحد الكتب عن قصة انتحار أديب ياباني نال الشهرة والمجد ما لم ينلها أحد من قبل اسمهُ «يوكيو ميشيما» كان غزير الكتابة في الروايات والمسرحيات بالإضافة لكتابة الشعر، فقد استقال من وظيفته من أجل الإخلاص للكتابة. هذا الكاتب عمد إلى تدريب نفسه في فنون الكاراتيه والملاكمة مع رفاقه وقرائه المخلصين، وكان لا يتوانى عن ذلك أبداً. كان لا يعجبه وضع اليابان الاجتماعي في أمركته وتأثره بثقافة الغرب، بل من المؤسف أن أديبنا يتألم من داخله ويحترق حين يشاهد أن الشعب الياباني نسي تماماً ثقافة المحاربين القدامى. فلا بد من حيلولة لإنقاذ اليابان من وحل الرذيلة الأمريكية والحفاظ على العادات اليابانية الأصيلة كأسطورة الساموراي كما ذكرنا أعلاه، أو كما تسمى الهيراكوري. فبما أنه يتمتع بِفرق من الأتباع ذوي همة ونشاط وفعالية من القوة والتدريب العسكري فقد اقتحم كاتبنا مقر القيادة العامة لقوات الدفاع اليابانية وأسر أحد جنرالاتها، وأعتقد ربما رئيس الأركان أو مساعده أو شيء من هذا القبيل، وطلب من الجنرال أن يأمر الشباب الياباني للاستماع إليه فوقف على منصة عالية وتحقق هذا الأمر ولكن كانت المفاجأة صاعقة كانت السخرية واضحة من الشباب المتأمرك والمتأثر بثقافة الغرب. في حينها أدرك أن انقلابه فشل وما كان عليه إلا أن يذهب إلى غرفة رئيس الأركان ليجهز بالانتحار الفظيع وبهذه الطريقة الشجاعة طريقة الساموراي، فعل ميشيما بنفسه ما لا تفعل كتاباته لربما يحاول إيقاظ أمته من براثن الغرب! وكان هذا الحدث عام 1970م وكانت أعين الصحافة والمصورين تجوب الأماكن. وهنا وقفة تأمل لحال وجبن المجرم «الداعشي» ومقارنة بسيطة بين منتحري اليابان ومنتحري الدواعش. المنتحر الياباني لا يشرك قتل نفسه مع أبرياء أو مسالمين، إما أن يكون بمعزل عن الناس أو مع المسلحين والمعتدين. وهذه تعتبر مبادئ إنسانية يابانية تستمد جذورها من فلسفة الشجاعة الأسطورية اليابانية. أما الداعشي فمن أين يستمد فلسفة انتحاره وهل ستسطرها الأقلام بالشجاعة والإقدام ضد الظلم في الدفاع عن المبادئ والوطنية، وهل له وطن من الأساس! وهل كان انتحاره مبدأ ذا قيمة وجذورا فلسفية! ما كان انتحاره إلا خسة ودناءة ضد أبرياء وعزل وأطفال آمنين، إنه الجُرم الدنيء الذي يهبطه أسفل مرتبة من مراتب الجبن.