عدَّت حكومة لندن الغارة الأمريكية التي استهدفت البريطاني المنتمي إلى صفوف تنظيم داعش الإرهابي «جون» دفاعاً عن النفس، فيما أقرَّت بعدم تحقُّقها من نجاح العملية التي تباينت آراء خبراءٍ بشأن أثرها. ووصف رئيس الحكومة، ديفيد كاميرون، العملية التي استهدفت «جون»، واسمه الحقيقي محمد أموازي، ب «مجهودٍ مشترك» بين بلاده والولايات المتحدة. ورفض، في تصريحٍ له أمس من أمام مقره في شارع «داوننغ» في لندن، تأكيد نجاح الضربة، وقال «لا نستطيع أن نؤكد ذلك». لكنه استدرك «في حال تأكيد نجاحها، فإنها ستكون ضربة في قلب داعش». وظهر «جون» في عددٍ من تسجيلات الفيديو التي تظهِر إعدام تنظيمه الإرهابي رهائنَ من جنسياتٍ متعددة. بدوره؛ ذكر وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، أن بلاده لاتزال بصدد تقييم نتائج هذه الغارة «لكن على الإرهابيين المرتبطين بداعش أن يعلموا شيئاً: إن أيامكم معدودة وسوف تُهزَمون». وشدد كيري «لا مستقبل ولا طريق إلى الأمام للتنظيم». لكنَّ محللين يرون تأثير العملية رمزيّاً على الأرجح وليس تكتيكيّاً بالنسبة للمجموعة المتطرفة التي تسيطر على مناطق من العراقوسوريا وترتكب عديداً من الفظائع. وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» مساء أمس الأول وقوع الغارة الجوية التي استهدفت محمد أموازي في مدينة الرقة السورية. وذكَّرت في بيانٍ لها أن «أموازي، وهو مواطنٌ بريطاني، ظهر في تسجيلات فيديو في عمليات قتل الصحفيين الأمريكيين ستيفن سوتلوف وجيمس فولي، والعامل في القطاع الإنساني الأمريكي عبدالرحمن كاسيغ، والعاملين البريطانيين في المجال الإنساني ديفيد هينس وآلن هينينغ، والصحافي الياباني كينجي غوتو، ورهائن آخرين». ونقلت شبكة «سي إن إن» وصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكيتان عن مسؤولين تنفيذ الضربة الجوية بواسطة طائرة دون طيار، وأشارتا إلى رصد الاستخبارات الأمريكية هدفها منذ عدة أيام. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل أربعة أشخاص في غارة جوية استهدفت موقعاً في الرقة ليل الخميس- الجمعة. ولفت مدير المرصد، رامي عبدالرحمن، إلى استهداف الغارة سيارةً في وسط المدينة بالقرب من مبنى البلدية ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص أحدهم قيادي بريطاني في المجموعة المتطرفة. ومحمد أموازي، الذي كان يعمل في البرمجة المعلوماتية في لندن، مولود في الكويت في عام 1988 لعائلةٍ من أصل عراقي. وهاجر والداه إلى بريطانيا في عام 1993. وبات ابنهما رمزاً لوحشية «داعش»، إذ ظهر في عدة تسجيلات فيديو لقطع رؤوس رهائن غربيين، مرتدياً ملابس سوداء وملثماً ومسلحاً بسكين. وترصده التسجيلات وهو يتحدث بلكنة بريطانية ويطلق تهديداتٍ ضد عددٍ من الحكومات. ويعود ظهوره الأول إلى أغسطس 2014 في تسجيل فيديو عرَض عملية قطع رأس الصحفي الأمريكي، جيمس فولي (40 عاماً)، الذي فُقِدَ في سوريا في نوفمبر 2012. وأثار التسجيل الذي حمَل عنوان «رسالة إلى أمريكا» استياء العالم. وبرَّر التنظيم الإرهابي جريمته ضد الصحفي بالإشارة إلى شنِّ الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، ضرباتٍ على المتطرفين في شمال العراق. ورأت والدة فولي، في حديثٍ أمس لشبكة «إيه بي سي»، أنه «إذا تأكَّد مقتل أموازي، فإن ذلك سيمنح قليلاً من العزاء للعائلة». وقالت «إنهم يبذلون كل هذا الجهد الضخم لملاحقة هذا الرجل المجنون المليء بالكراهية، ولا يستطيعون بذل نصف هذا الجهد لإنقاذ الرهائن الأمريكيين الشباب وهم على قيد الحياة». وبعد أسبوعين من مقتل ابنها؛ قُتِلَ الرهينة الأمريكي، ستيفن سوتلوف، بالطريقة نفسها مع ظهورٍ ل «جون» في التسجيل الخاص بالإعدام. لكن والدة سوتلوف أبلغت شبكة «إن بي سي» بعدم اكتراثها بمصير «جون»، وقالت «حتى لو تأكَّد مقتله، هذا لا يعيد لي ابني». وظهر «جون» أيضاً في تسجيلاتٍ لإعدام البريطانيين، ديفيد هاينس «عامل في القطاع الإنساني» وآلن هينينغ «سائق أجرة»، والأمريكي بيتر كاسيغ، واليابانيين هارونا يوكاوا ثم كينجي غوتو. وقالت بيثاني هاينس التي قُتِلَ والدها لتليفزيون «إي تي في»: «بعد أن شاهدت الأخبار عن مقتل جون؛ انتابني شعور فوري بالراحة». إلا أنها أضافت «رغم أنني كنت أريده أن يُقتَل، أردت كذلك أن أعرف لماذا فعل ما فعل، ولماذا قتل والدي، وماذا حقق بقتله». وفي تغريدةٍ على «تويتر»؛ كتب ستيوارت ابن شقيق آلان هينينغ «مشاعري مختلطة اليوم، كنت أريد الجبان المتخفِّي وراء القناع أن يعاني مثلما عانى آلن وأصدقاؤه، ولكنني سُرِرتُ كذلك بمقتله». إلى ذلك؛ أبدى مدير دراسات الأمن الدولية في معهد رويال يونايتد سيرفيسيز، رافايلو بانتوتشي، اعتقاداً بأن مقتل أموازي لن يُحدِثَ فرقاً استراتيجيّاً. وصرَّح «إنها ضربة رمزية، ومن الناحية التكتيكية لن تغير أي شيء بالنسبة للمجموعة المتطرفة». لكن شارلي وينتر، وهو أكاديمي يركِّز أبحاثه على نشاطات «داعش»، رأى في الأمر ضربةً قويةً. وعدَّ مقتل أموازي مهم جدّاً رمزيّاً «فقد كان مصدراً للغطرسة، وشخصيةً ملهمةً لمقاتلي تنظيمه، ورمزاً للتحدي في مواجهة التحالف الدولي، فإذا تأكد مقتله، فإن هذه ستكون ضربة كبيرة». وكان «جون» في عمر السادسة عندما انتقلت عائلته للعيش في لندن، فنشأ في ضاحية نورث كينسنغتون الراقية حيث تم الكشف في السنوات الأخيرة عن شبكةٍ من المتشددين. وكان هذا المتطرف من مؤيدي فريق مانشستر يونايتد لكرة القدم وفرقة «إس كلوب 7». ولاحقاً؛ درَس تكنولوجيا المعلومات في جامعة ويستمنستر. وتشير سجلات محكمة نشرتها وسائل الإعلام البريطانية إلى علاقة أموازي بشبكة من المتطرفين معروفةٍ باسم «فتية لندن» تدرَّبت على يد جماعة الشباب الشرق إفريقية المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي.