حاول مرة أن تواصل السهر، قد تستمر لساعة أو ساعتين، أو عشراً أو عشرين، لكنك في نهاية المطاف ستستسلم للنعاس، ثم النوم...هل تعلم أين تذهب روحك حين تنام؟ إنها تذهب إلى ربك، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان من دعائه حين ينام: فإن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين. ونحن نقرأ في القرآن: «الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى». إنك تستيقظ صباحا وتفعل طوال اليوم ما يحلو لك، وما علمت أن إحساساتك سوف تنام في آخر النهار، لتذهب نفسك إلى ربك، لا يكون لك فيما يفعله بها وقتها حول ولا قوة، «ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين». يتحكم في نومك جهازك العصبي، وتمر خلاله بدورة تتكون من أربع مراحل، لكل مرحلة ذبذبات معينة يُصدرها الجهاز العصبي، فليس نومك من أوله لآخره بدرجة واحدة ولكن تتغير الإشارات العصبية خلال النوم، وفي إحدى المراحل الأربع للنوم تكون في قمة التوتر وتتحرك عيناك بطريقة سريعة، وأيضا من هذه المراحل مرحلة النوم العميق الذي يبدأ بعد أن تستغرق في النوم لمدة لا تقل عن ستين دقيقة متواصلة، وإذا لم تمر بهذه المرحلة العميقة عدة مرات خلال نومك فإنك قد تصاب بالإرهاق طوال اليوم التالي حتى لو كان مجموع الساعات التي نمتها أكثر مما ينامه شخص آخر. أنت تحتاج للنوم العميق بقدر احتياجك للنوم نفسه، فيجب أن لا يُقطع نومك بصوت أو إيقاظ حتى تصل للمرحلة العميقة، ففيها تحدث عمليات بناء في جسمك، وعمليات ترميم لما حل في خلاياك طوال اليوم من العمل والكد، وأهمية هذه المرحلة من النوم العميق تتضح في الإرهاق الذي يحدث للأمهات اللاتي يستيقظن مرات متعددة ليرضعن أولادهن، فالأم ربما لا تستطيع أن تمر بعدة دورات لمراحل النوم المتتابعة في ليلة واحدة، وبهذا تصاب بالتعب حتى لو كان مجموع النوم سبع ساعات أو أكثر؛ لأنه نوم مقطع… «ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير». إنه من الصعوبة أن تعصي وأنت يقظان من: سوف تصعد إليه روحك وأنت نائم، وهو خلال يومك مطلع عليك ماذا تفعل، «وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون». إن تنفسك ونبضات قلبك تستمر وأنت نائم بأمره ونعمته وأنت لا تدري، وهناك في العالم مئات المرضى من يعانون من مشكلات النوم واضطراباته، ولو أراد الله أن تعتل غدتك الدرقية مثلا، التي لا يعرف الطب لكثير من أمراضها سبباً، لعانيت من ارتفاع هرموناتها من قلة النوم، أو من انخفاض هرموناتها من كثرة النوم. إن كنت ممن ابتلاه الله بأحد هذه الأمراض فاصبر تُوف أجر الصابرين، وإن كنت تنام قرير عينك فاذكر ربك طول يومك واحذر أن تعصيه؛ ليديم عليك نعمته، ويملأ روحك طمأنينة وبشارة حين تذهب إليه، فاجعل نومك من اليوم شوقا إليه؛ لأنك سوف تزوره وهو أرحم الراحمين.