كم هي الحياة جميلة في حضن الطبيعة وكم هم الناس سعداء في حب الخير للجميع وكم تلك العصافير سعيدة في ضوح النهار تطير في أجمل نزهة حول المدينة، وتلك الأنهار والتلال المثيرة في جريانها وهدوئها كأنهن النور المنبعث من السماء الجميلة. يا لدهشة الطبيعة ويا لدهشة الإنسان الذي إن طغى وتكبر دمر بكلتا يديه أجمل ما خُلقَ في الطبيعة. هكذا الحياة بدأت بجرثومة تسمى الحياة وانبثقت من خلالها مجموعة خلايا تصارعت على الحفاظ على نفسها وتطوير ذاتها متماشية بشكل ديالكتيكي مع صراع متناقض فيما بينها إلى أن انبثقت الحياة الفطرية وانبثق الإنسان منها تدريجياً بكينونته الذاتية كعنصر اجتماعي له فاعليته شبه المستقلة في تعدد الأفكار والجوانب وكل منهما تؤدي نفس الانفعال بل نجد أن العنف يتبدل وجهه إلى اللا عنف إلى درجة السلم المتفاوتة. حيث إن هناك ثورتين داخل النفس البشرية ثورة من أجل الكفاح والعمل الإيجابي، وأخرى سلبية كردة فعل على فشل جوهري لا يمكن إصلاحه إلا بتوافق مشترك على تحديد مسار قواعد الذات التي تتعلق بالغريزة الأساسية التي كونت الشخصية منذ النشأة الأولى، التي قلما تنجح لا سيما مع الإرهاب أو الشخصية الإرهابية التي حيرت العالم بجنونها الدراماتيكي. فالإرهاب بطبيعته ثورة اجتماعية نفسية أكثر من كونها دينية، فالإرهابي يكذب على ذاته، فلا يمكن خروجه على المجتمع أو الجهاد بأمر ديني وإنما ثورة داخل النفس تفرزها غريزة التطور الذاتي، وهي صنفان إما للإيجاب والانتصار للمقصد إن كان صحيحاً أو السلبية إذا ترتب عليها أخطاء جوهرية. ومن تلك الأخطاء تناقض الأفكار ففكرة الأمس مرفوضة اليوم والحقيقة بطبيعتها متغيرة وفق الزمان والمكان، فلا يمكن أن آتي بنظام قديم أطبقه على هذا العصر مثلاً كشريعة حمورابي كانت مزدهرة في عصرها والناس متقبلة الأمر، ولكن في عصرنا سيرفضها مجتمعنا. إذن المجتمع بطبيعته متغير له جدليته الخاصة المختلفة عن باقي سائر المخلوقات فبقية الكائنات تتغير وفق إرادة الطبيعة المحضة، وأضف على هذا لكل مجتمع له خصوصيته وذلك يرجع على حسب البيئة والنمط السائد. أما الإنسان المفكر فله السلطة على نظام الطبيعة بل الاعتداء عليها وتغيير بعض أنماطها. كفكرة الاستنساخ مثلاً التي شغلت العالم ردحاً من الزمن. لكن الإرهاب الاجتماعي يحاول تغيير نمط المجتمع وفق إرادته الجبرية، وهذا أمر يستحيل تطبيقه. حيث إن حركة المجتمع كما وضحنا في أكثر من مقال تنبثق من خلال تعزيز الفرد داخل أسرته أو بيئته التعليمية وأنه لا يمكن أن يعيش بمعزل. وقد تنبأت بنهاية الإرهاب ولكن بشروط إصلاح وتطوير كافة المجتمعات، لأن المجتمع الإرهابي يعيش بمعزل وهذا لا يجعله أن يستمر إلا كما أشرنا بمساعدة انفلات أفراد المجتمعات. ولتوضيح أكثر فليعتبر الإرهاب بنهاية الحركة النازية وفشلها التي كانت لها القوة الكامنة ولكن ينقصها الحكمة وسبب ذلك بزعمها إعلاء عنصرها البشري وأنه هو المتفوق على باقي الأعراق. وهذا يستحيل ولا يمكن فالمجتمعات مرتبطة ببعضها أي أن هناك تشابها وفق النمط الديني والثقافي ولكل مجتمع له ميزته عن الآخر ولكل ميزة تتفاوت على حسب إن كان هذا المجتمع متفوقاً بالصناعة وآخر متفوقاً بالتقنية وهكذا دواليك، بينما المجتمع العربي يحاول استئصال الموروث القديم! ولا يبحث عن الجديد الذي ربما يجعله متفوقاً نوعاً ما.