الإنسان فضولي بطبعه، فما يكاد يتعلم شيئاً أو يكتشف شيئاً حتى يقوده الفضول إلى معرفة ما وراء هذه الأشياء، ومن ذلك رغبته في معرفة ما يعتلج في صدر الآخر من أحاسيس وما يدور في خَلَده من أفكار، ولم يقتنع بالمفردات المنطوقة وما تحتمله من معانٍ، لذا قادته ملاحظاته إلى أنّ جلّ الكلام المنطوق تصحبه حركات يومئ بها الجسد للتعبير عن انفعالاته وتخيلاته، فجال بفكره في مستلهمات عقله ليكتشف لغة أخرى للتعبير فأسماها مجازاً لغة الجسد. وتعرف لغة الجسد بأنّها مجموعة من الحركات والإيماءات، تصدر من جسد المتكلّم بإيعاز من العقل الباطن، لتكشف عن حالته النفسية أو العقلية حتى وإنْ كان كلامه يخالف ذلك، فكم مِمَّن حاول الاختباء وراء لسانه ليبدو على غير حقيقته ففضحته عيناه أو نبرة صوته أو حركة من أطرافه. إنّ إيماءة واحدة تكفي لبناء علاقة قد تمتد بامتداد العمر، أو لهدم أواصر مودة جمعت بين اثنين، وفي القرآن الكريم سميت سورة باسم «الهُمزة» لخطورة هذه اللغة على النّفس والعلاقات الإنسانية. لقد أصبحت هذه اللغة من الأهمية بمكان حتى أنها أدرجت كموضوع حيوي في مراكز التدريب والدراسات النّفسية، ولتأهيل الإداريين والخطباء، لأنّ في إتقانها نجاحاً باهراً للمتحدث لا يبلغه بالخطب الرّنّانة. وعلى الرغم من أن اللغة العربية قد بزت جميع لغات الأرض في نقل الصورة من المحسوس إلى المجرد وبالعكس، وأبدعت في التصوير والوصف، إلا أنها لم تنافس لغة العيون مثلاً، وأستشهد بقول الشاعر معروف الرصافي: ترجم طرفي عن لساني لتعلموا ويبدو لكم ما كان صدري يكتمُ ولما التقينا والدموع سواجمُ خرستُ وطرفي بالهوى يتكلمُ تشير لنا عما تقول بطرفها وأومي إليها بالبنان فتفهمُ إشاراتنا في الحب رمزعيوننا وكل لبيب بالإشارة يفهم حواجبنا تقضي الحوائج بيننا فنحنُ سكوتٌ، والهوى يتكلمُ