يقف عشرات السوريين من رجال ونساء وأطفال أمام أبواب السفارة الألمانية شمال شرق بيروت، وفي عيونهم بريق أملٍ أيقظته تقارير وشائعات عن استعداد دول أوروبية لاستضافة لاجئين بتأشيرات مسبقة. وجاء هؤلاء إلى السفارة الواقعة في منطقة المطيلب، علَّهم يحجزون لأنفسهم مكاناً على سفنٍ أشيع أنها في طريقها إلى لبنان لنقل طالبي اللجوء. لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، وخاب أملهم مرة أخرى، بعد إصدار بيانٍ ألماني نفى هذه التقارير التي تداولتها صحف ومواقع تواصل اجتماعي. ولم يقنع النفي الرسمي قاصدي السفارة الفارين من نيران الحرب السورية، الذين يتشاركون سيارات الأجرة والحافلات الصغيرة للوصول إلى المطيلب. ويعتقد وسام يوسف الفار من محافظة إدلب (شمال غرب سوريا)، أنه لا خيار آخر أمامه سوى تقديم طلب لجوء، ويشير وهو الأب لأربعة أطفال إلى «سماعه عن إجراءات من الدولة الألمانية لتسهيل اللجوء» فقرر أن يقدم طلباً. وخلال فترة لجوئهم الطويلة في لبنان؛ فقد سوريون مدخراتهم في وقت تستمر فيه المساعدات الدولية في التراجع. ومنحت السياسة الجديدة التي تتبعها برلين، القائمة على تسهيل معاملات طالبي اللجوء الذين يدخلون أرضها بعضاً من الأمل لهم. ولم يأبه المئات منهم للعاصفة الرملية التي ضربت لبنان ودرجات الحرارة المرتفعة، فوقفوا يوم الخميس عند أبواب السفارة الألمانية يحملون في أيديهم أوراقهم الثبوتية. لكن موظفاً في السفارة كان يردد بشيء من العصبية للمنتظرين «لا أعرف ماذا أقول لكم. ليس هناك لجوء ولا هجرة إلى ألمانيا». وجلس بعضهم على مقاعد خارج غرفة الاستقبال، يتشاركون النصائح حول الحل البديل أي الهجرة غير الشرعية. وبلهجةٍ حاسمةٍ؛ أفاد وسام يوسف «في حال لم نحصل على تأشيرة خلال 10 أيام، سنختار طريق التهريب»، متسائلاً «ماذا أفعل؟ لم يعد لدي ما أسعى إليه، أريد فقط أن أضمن مستقبلاً لأولادي». ويمكن للاجئين في لبنان تقديم طلب لجوء إلى ألمانيا، عبر برنامج إعادة التوطين التابع لمفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين، أو عبر الحصول على تأشيرات تتيح لهم المطالبة باللجوء فور الوصول إلى الأراضي الألمانية. إلا أن عدداً محدوداً فقط استطاع الإفادة من هذين الحلَّين في لبنان، الذي يستضيف أكثر من 1.1 مليون لاجئ سوري. ويرى كثيرون من هؤلاء أن الوقت حان لمغادرة الأراضي اللبنانية. وقال رجل من الغوطة الشرقية قرب دمشق وقد احمرَّت عيناه من كثرة البكاء «ألمانيا هي التي تستوعب أكبر عدد من اللاجئين». ورفض الرجل الإفصاح عن اسمه، وأوضح أنه علم بالمتغيرات في السياسة الألمانية عبر الإنترنت وأقرباء له. ويتوقع اللاجئون أن تقدم حكومة برلين لهم حياة جديدة، بدلاً من المكابدة في دول الجوار السوري من أجل لقمة العيش. ولا يكفُّ وضع اللاجئين السوريين في لبنان عن التدهور، بعد أكثر من 4 سنوات على بدء الحرب. وفي يوليو الماضي؛ خفَّض برنامج الأغذية العالمي مساعدته الشهرية هناك إلى 13.50 دولار (12 يورو) للشخص. وفرضت حكومة بيروت إجراءات مُكلِّفة على عمليات تجديد وثائق الإقامة، وشددت القيود على الحدود مع سوريا. ويقول ماهر الذي قدم إلى السفارة مع زوجته، «الأممالمتحدة تقدم لنا 50 دولاراً في الشهر للأطفال». ويضيف بمرارة «الموت موت، هنا أو في البحر». وليست رحلات الهجرة غير القانونية أمراً سهلاً. ويروي رجل غزا الشيب شعره، أنه لم يعد يملك تكلفة السفر عبر طرق التهريب، بعدما صرف مدخرات عائلته في لبنان. أما آخرون فتلاحقهم صور اللاجئين والمهاجرين، الذين لقوا حتفهم في طريقهم إلى أوروبا. ولا يثق خليل، وهو لاجئ سوري في لبنان، في تسليم عائلته إلى أحد، ويلفت إلى رفضه السفر تهريباً «لأن هناك من يموت في البحر». ويتابع «صورة الطفل أثّرت فينا كثيراً»، في إشارة إلى صورة «ألان» الكردي ميتاً على شاطئ تركي أثناء محاولة عائلته الوصول إلى اليونان بحراً. ويبدي خليل استعداده لتقديم طلبات إلى أكثر من سفارة، ليضمن وصول عائلته إلى أوروبا سالمة. وبعكسه؛ يبدي كثيرون استعدادهم للمخاطرة. ويقول رجل رفض الكشف عن اسمه «رأينا الصور، ونعلم أن الرحلة تكلِّف 2500 دولار للشخص، ولكنني أفضل أن أموت في البحر على الموت جوعاً هنا». ولم تعد صفاء تخفي شيئاً، وأكدت فيما ابنها إلى جانبها، «سنسافر مع المهربين وسندخل ألمانيا بالقوة، فبعد أربع سنوات من الحرب ذُقنا خلالها طعم المر، لم نعد نخشى شيئاً».