باتت التقنية بكل وسائلها الاجتماعية، وبرامجها التي لا تعد ولا تحصى شغلنا الشاغل، وبتنا مهووسين بها لدرجة الهيام التقني، بل وصل الحال ببعضنا إلى أن يربط أحلامه بواقعية حياته، فتراه يرى فيما يرى النائم، جواله في منامه، ويريد الإمساك به، ولكنه لا يستطيع، رغم أنه يسمع ذات النغمة التي اعتاد عليها. وعوداً على بدء، هذا الانفلات التقني عبر «وسائل الهياط الاجتماعي، يوحي بتعرية مجازية قد تكون أكثر إيلاماً، ووجعاً وأنت ترى أولئك المهووسين بذاتهم، ونرجسيتهم الباذخة، التي ألقت بهم في يم السخرية، والتندر، والنكات، تراهم في كل وادٍ يهيمون، ويضحكون، ولا يبكون، ويواصلون رحلة المقاطع الإنستجرامية حتى لو كانوا في أحلك الظروف، ما قد يجعل كثيراً من أصدقائهم يهربون من مجالستهم، والحديث معهم، هؤلاء لا يُؤمن الحديث معهم، حيث تراه يتنقل بين صور الواتساب، ليقفز نحو السناب شات، مروراً بالفيسبوك، ونشر تغريدة «متوترة» على تويتر، تلك التغريدة التي خنقت ذاك العصفور الأزرق الجميل، وهي تظهر أمام كل المتابعين بتلك الأخطاء الإملائية الفادحة. هذه الحالة الاندفاعية لكثيرين منا، وغير المبررة، تمنحنا بُعداً آخر لكي نعود إلى جادة العقل والصواب. التقنية لا تدفعنا نحو هذا الانفلات غير المقنن، إنما هي حالة نفسية، أرى أن الهدوء، والتعامل معها بكثير من التروي، والفكر الناضج، هي الطريقة الصحيحة للخروج من هذه الأزمة التي عرَّت ثقافتنا، فبتنا حديث المجتمعات الأخرى على كافة الأصعدة، وربما قادتنا بعض تصرفاتنا الحمقاء إلى كثير من المساءلات القانونية. هذه التقنية تسير بنا نحو نفقٍ مظلم تحت غطاء الانفتاح على العالم، وهل الانفتاح، الذي نمارسه بهذه السذاجة والإسفاف في كثيرٍ من الحالات، يُعدُّ حضارةً، وعن أي حضارة تتحدثون، ما لكم كيف تحكمون؟!