عن الصراع، كتب الدكتور نعمان عبدالرزاق السامرائي: «ظلت القيادة الصينية تتصارع حول طريقة توزيع الثروة لمدة تجاوزت نصف قرن، مات على إثرها أُناس بينما سقط آخرون، ثم اكتشفت، القيادة، أن لا وجود لثروة، وأن الصراع كان عبثاً». وهنا يثار سؤالٌ لعامة الناس؛ علامَ تتصارعون؟ ولماذا تستجيبون لنداءات الصراع، وأنتم واثقون في أنكم لن تحصلوا على غنيمة سوى أطنان من الكراهية التي سيستفحل شرها في أرواحكم وأجسادكم، وأنتم تعلمون أن المرض عندما يتمكن من الجسد، محال أن يبرأ؟! مازلت لا أفهم سبب الشتائم والصراعات والمطاحنات، التي نقرأها على حسابات التواصل الاجتماعي، أو في المناقشات المباشرة، التي دائماً ما تنحرف عن لبّ الموضوع الأساسي لتفاصيل وجوانب أخرى لا علاقة لها بالأساس. عندما تجد شخصين يحملان نفس جواز السفر، ويسكنان في مدينة واحدة، أحدهما يثبت وطنيته بكافة الوسائل والطرق، وكأنه يحاول تبرئة نفسه من تهمة! بينما الآخر يصرُّ على إثبات العكس! وحقيقةً كلاهما وطني وقد سكن أجداده هذه الأرض منذ نشأتهم، له حق وعليه واجب. إذاً علامَ يدور هذا الصراع؟ ويُهدر هذا الوقت؟ و»ينشب» هذا الجدل السخيف والمهلك في ذات الوقت؟ نستطيع أن نتفهم قيمة نداءات الوحدة والمحبة والتآلف والتعايش والاندماج، فالإنسان بطبيعتة يبحث عن الحاجات الأساسية لحياته لتأمين سبل التقدم والتحضر والعيش الهانئ والكريم، ولكننا لا نفهم الغرض من نداءات الصراع والكراهية والشحن والتأجيج ضد الآخر؛ إلا أنها تهدف للانقسام المجتمعي، والتصنيف الرجعي، والعودة إلى أزمنة الحروب الساحقة، التي تفتقر إلى الأمن والاحترام والتطور، وهكذا نعود إلى الوراء! إذاً لماذا يستمر الصراع، ولأجل مَنْ؟ وعلى الرغم من التحولات السياسية، التي يُفاجأ بها الناس، إلا أنهم يستمرون في المكابرة، وإسقاط أسباب التدهور على مؤثرات خارجية، متجاهلين المسببات الداخلية الصانعة والراعية لدقائق هذا الصراع! وهذا يقود الأمة بمجملها إلى مستقبلٍ أسوأ؛ جراء عدم مواجهتها واقعها المتشظي والمتناحر. إننا اليوم لا نحتاج إلى المجاملة، التي لا تطور مجتمعاتنا، ولا تحسِّن مستوى عمل منشآتنا، ولا ترفع إنتاجنا الفكري والعلمي، فمَنْ يسلك طريق المجاملة المفرطة، ينساق تدريجياً إلى رتبة النفاق دون أن يشعر! وجميعنا يعلم أن النفاق صنف من صنوف الكذب، والكذب خداع على الآخر! فلماذا نرضى بأن نَخدع أو نُخدع! إنما حاجتنا هي إلى مواجهة أنفسنا وواقعنا، بهدف تحديد المشكلة المسببة للصراع، والبحث خلف نتائجها، التي في الغالب تنحدر بحال الأمة، وتبعثر قوى الخير والإصلاح، وتهدد تماسك المجتمعات الإنسانية! فإلى متى سيبقى الحوار عقيماً، وطاولة الحوار مكسورٌ بعض أرجلها؟! وماذا نرتجي من تزايد حالات التراشق اللفظي وإلقاء التهم جزافاً؟! وهل ينفع الندم بعد أن تتفوق علينا الأمم ونحتل المراتب الأخيرة في سلم التحضر؟! أم إننا سنواصل منهجنا في تبرئة أنفسنا من المسؤولية وإلقائها على الآخر؟! وهل نظن حينها أن أحداً سينقذنا من الموت غرقاً؟! فعلى ماذا نتصارع إذاً؟!