الجنادرية.. لوحة الوطن، بهذه الجملة عبر أحد زوار مهرجان الجنادرية السابع والعشرين لي مؤخراً قادم من دولة مغربية، جلس بجانبي صدفة في الحافلة التي أقلتنا من موقع المهرجان إلى مقر السكن. ولا أظن أن هناك وصفا أجمل من هذه الجملة البسيطة المعبرة، أن يجتمع تراث وطن كامل كالمملكة على صعيد واحد، وفي زمن واحد، فهذا حقاً موسم لا يفوّت، وهذه حقاً لوحة وطنية لا تضاهى، هنا ترى العرضة، والسامري، والدحة، والمجرور، والليوة، والهجيني، والخبيتي، والمراد حيا على مسمع المحبين الباحثين عن الأصالة والعراقة من كل صوب من داخل وخارج المملكة. هنا ترى السدو، والخرازة، والحدادة، والنجارة التقليدية، والسواني والخُرج والمحالة والدلو، وهنا ترى الكتاتيب والألعاب الشعبية بمختلف مسمياتها ومناطقها. إن كان للمرء أن يفخر بمنجز وطني أثبت بقاءه وتجليه على مدى سبعة وعشرين عاماً، فإننا نفخر بمهرجان الجنادرية للثقافة والتراث، لأنه مزج حاضرنا الزاهر بماضينا الأصيل، وقدمنا للآخر أمة تزدهي بتراثها ولا تغفل متطلبات عصرها. لقد كان التنظيم رائعاً، والحفاوة كبيرة بالضيوف، من قبل رجال الحرس الوطني، على الرغم من اتساع رقعة المهرجان وتعدد منافذ فعالياته، فهناك فعاليات تقام في القرية التراثية، وهناك ما يقام في الفندق والنادي الأدبي والمركز الثقافي وقاعة المؤتمرات، إلا أن ذلك كله كان محفزاً للجان المنظمة أن تكون على قدر المسؤولية، فتمت الندوات والفعاليات بمرونة وسهولة. أنادي من هنا بأن يتم تقييم أجنحة المناطق، وأن تُساءل الجهات التي لم تقدم تراث منطقتها بالشكل الصحيح الأصيل، فلم يعد بعد عذر، وقد توفرت كل السبل. فنحن لن نلفت العالم بكثرة الأبراج والبنايات، بقدر ما نلفتهم بأننا أهل حضارة موغلة في القدم، قامت عليها هذه النهضة الحضارية المواكبة لمثيلاتها في العالم.