كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية في الفترة الأخيرة هي الطرف المتلقي لعملية تضليل واسعة ورئيسية قامت بها الحكومة الإسرائيلية، وشملت استغلال مصادر دبلوماسية واستخباراتية وإعلامية متنوعة. الحكومة الإسرائيلية تسعى لإيجاد رواية جديدة تتعلق بالملف النووي الإيراني، وهذه الرواية تدور حول المحور التالي: إيران تسعى لتطوير سلاح نووي وهي قريبة من امتلاك هذا السلاح بالرغم من المعلومات المعاكسة التي تمتلكها أجهزة الاستخبارات العالمية. هذا السلاح النووي الذي تسعى إيران لصنعه، بحسب الرواية الإسرائيلية المضللة، سوف تستخدمه إيران بشكل مباشر أو أنها سوف تعطيه لمنظمات إرهابية؛ حتى تقوم بتهديد ليس أمن إسرائيل فقط، بل أمن أوروبا والولاياتالمتحدة أيضا باستخدام الصواريخ البالستية التي تطورها إيران حاليا. ولأن إيران تخفي أو تقوم بتقوية المنشآت النووية الجديدة التي تبنيها؛ فإن الفرصة تكاد تفوت وتضيع على أي عملية عسكرية، بحيث لن يكون بالإمكان بعد ذلك تدمير البرنامج النووي الإيراني. كما أن إيران، ولايزال الحديث للرواية الإسرائيلية المبتكرة، تخطط لمهاجمة أهداف إسرائيلية وأمريكية في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها، ولذلك فإن الضربة العسكرية ضرورية بشكل مضاعف لردع إيران ومنعها من رعاية مثل هذه النشاطات الإرهابية. الرد من وزارة الدفاع الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) كان حتى الآن الدعوة إلى الهدوء، وأن إدارة الرئيس باراك أوباما لا تغرب بدخول حرب مع إيران في هذا الوقت، مع أنها لم تفعل ما يكفي حتى تتجنب نشوب مثل هذه الحرب. وقد أرسلت الإدارة الأمريكية رئيس هيئة أركان القوات المشتركة الجنرال مارت ديمبسي ووزير الدفاع ليون بانيتا إلى إسرائيل لتحذير الحكومة الإسرائيلية التي يتزعمها بنيامين نتيناهو من أن الولاياتالمتحدة لن تدعم أي عمل عسكري لا يتم بالتنسيق بين السلطات الأمريكية والإسرائيلية. لكن إسرائيل رفضت حتى الآن إعطاء تحذير مسبق لمثل هذا الهجوم، ودافعت عن حقها بالقيام بعمل عسكري ضد ما تعتقد أنه تهديد إيراني محتمل ضدها. هذا الموقف لا يعجب واشنطن مطلقا، لكن ليس هناك ما يستطيع البيت الأبيض أن يفعله خلال هذه السنة الانتخابية. إسرائيل تبذل جهودا كبيرة منذ فترة لا بأس بها لتقنع الولاياتالمتحدة بأن الرد الإيراني على أي هجوم ضدها لن يكون سيئا جدا. حكومة بنيامين نتنياهو توزع منذ فترة مذكرة تبين بالتفصيل على ما يبدو كيف ستقوم إسرائيل بسهولة بالتعامل مع الرد الإيراني، كما أنها تحاول أن تقنع المسؤولين الأمريكيين أن المصالح الأمريكية في منطقة الخليج لن تتعرض لأضرار كبيرة. وتضيف المذكرة أن الهجوم على إيران سيؤدي إلى إيقاع أضرار هائلة ببرنامجها النووي وسوف تتقبله الدول العربية المجاورة لإيران بصورة جيدة، مما يؤدي إلى تحسن العلاقات في جميع أرجاء المنطقة. لكن وصف هجوم عسكري إسرائيلي على إيران على أنه سيكون حاسما وأنه سينفع الجميع في نفس الوقت، ما عدا إيران طبعا، لا يكفي، لذلك فإن إسرائيل وأصدقاءها يقولون أيضا إن إيران تخطط لعمليات إرهابية داخل الولاياتالمتحدة. أحد أصدقاء إسرائيل قال في مقال حول جلسات استماع في الكونجرس إن «إيران مستعدة لتنفيذ هجمات على الأرض الأمريكية، بحسب تقارير استخبارات أمريكية». لكن التقرير نفسه أضاف فيما بعد أن «المسؤولين الأمريكيين لم يشاهدوا أي معلومات استخباراتية تشير إلى أن إيران تتآمر بشكل فعلي لتنفيذ هجمات على الأراضي الأمريكية»، ويختم التقرير بقوله إن «بعض المسؤولين الإيرانيين... مستعدون الآن أكثر من أي وقت آخر للقيام بهجمات داخل الولاياتالمتحدة...»، وذلك دون الاستناد إلى أي أدلة على الإطلاق. عندما يتعلق الأمر بكيفية رؤية المسؤولين في واشنطنلإيران، ليس المهم ما يفعلونه ولكن ما يمكن أن يكونوا يفكرون بعمله. السفارة الإسرائيلية في الولاياتالمتحدة أرسلت بعد ذلك مذكرة للجماعات اليهودية أشارت فيها إلى أن «التهديد ضد مواقعنا حول العالم سوف يزيد...» هذه المذكرة التقطتها أجهزة الإعلام الأمريكية بعد التسريب المزعوم للوثيقة السرية بشكل ملائم. بشكل عام، برنامج التضليل الذي شنته تل أبيب ضد واشنطن يبدو أنه يفعل فعله بفضل أجهزة الإعلام الأمريكية المتعاونة والكونجرس الأمريكي. إن الحديث عن الحرب جعل الولاياتالمتحدة تحذر إسرائيل ضد القيام بمثل هذا العمل، لكن احتمال التدخل الأمريكي في أي صراع عسكري تبدأه تل أبيب سيكون من الصعب تجنبه. تؤكد مصادر في واشنطن أن التزام الولاياتالمتحدةالأمريكية بأمن إسرائيل سوف يعني أنه إذا تعرضت المدن والمراكز السكنية الإسرائيلية لهجوم انتقامي إيراني، فإن واشنطن ستكون مضطرة للتدخل والدفاع عن إسرائيل. هذا يعني أنه إذا بدأت إسرائيل الحرب، حتى دون إعطاء واشنطن أي تحذير مسبق بذلك، فإن الرد الإيراني الذي يصيب المراكز السكنية الإسرائيلية، سواء كان ذلك مقصودا أو عن طريق الخطأ، سيتطلب ردا من الجانب الأمريكي. ولأن إسرائيل نجحت دائما بربط واشنطن مع سياساتها، فإن الولاياتالمتحدة سوف تتدخل لمصلحة تل أبيب مهما حصل وبغض النظر عمن بدأ القتال، وهذا التزام فريد وخطير للغاية. حيث إن إسرائيل دولة صغيرة من حيث المساحة، وأن الصواريخ الإيرانية لا تستطيع أن تصيب أهدافها بدقة بالغة، فإن من الصعب تخيل رد إيراني لا يصيب أهدافا مدنية. إذا كان رد الولاياتالمتحدةالأمريكية إلزاميا وأوتوماتيكيا، فإن هذا يعني أن البيت الأبيض قد قام عمليا بتسليم مفاتيح السياسة الخارجية الأمريكية إلى إسرائيل وقيادتها الفاسدة.