عندما أقرأ قوله تعالى: “الرّجال قوّامون على النساء...” تستوقفني مسألتان: الأولى ورود كلمة (الرجال)، فهل تعني كلّ إنسان ذكر بدون اشتراطات؟ ولماذا لم تأتِ في لغة الخطَاب مثل (أنتم)؟ توحي الآية بأنْ ليس كل إنسان ذَكر هو معني بهذا التكليف، لأن التكليف بأمر ما يتطلب اشتراطات أوّلها الأهلية الكاملة وهي هنا تعني الرّجولة الكاملة، وليس كلّ الرّجال مؤهلين، فقد يزيدون أو ينقصون بحسب بصائرهم وضمائرهم. المسألة الثانية القِوامة: فما القِوامة المقصودة في هذه الآية؟ هل تعني وِصاية عاقل على قاصر؟ أم تسلّط قوي على ضعيف؟ إنّ القِوامة ليست وِصايةً ولا تسلطاً، بل هي الرعاية الواعية لمتطلبات الحياة الكريمة للمرأة، فمتى وجدَتها انتعشت وأنعشت من حولها، وما الجانب المادّي سوى جزء من تلك القِوامة، وتبقى الرعاية النفسية، والعاطفية، والصحية، وغيرها. يتوهم من يظنّ أنّ توفير هذه المتطلبات يعدّ تفضلاً من الرّجل لا واجباً عليه، ففي الحديث الشريف: “من استطاع منكم الباءة فليتزوج”، الباءة هي القدرة على تحمل تبعات الاقتران بالمرأة وليس تكاليف (العرس). لقد ورث كثير من الناس هذا الفهم السقيم لمعنى القِوامة من عصور التخلف الفكري الذي مُنيت به مجتمعاتنا المسلمة، وإلا كيف نفسّر الازدواجية التي لدى البعض اليوم في نظرته للمرأة، ففي الوقت الذي يتباكى فيه على ماضيها الزاهر عندما كانت للرجل كمارد مصباح علاء الدين، تراه يُهرع إلى المستشفى ينشد العلاج من طبيبة، وغداً يرسل أبناءه الذكور ليتلقوا تعليمهم على يد معلّمة، وقد يتذكر أحياناً أنّه جلس ذات يوم بين يدي أستاذة كتلميذٍ صغير! ولربما اتُّهم بعضهم في قضية فأثبتت براءته محامية، وإن دعته الحاجة ليطير جوّاً كان ربّان طائرته امرأة! فمرحباً بالقوامة في معناها الشامل، وتبّاً لها في معناها القاصر.