لا أتعاطف نهائياً مع العربي أو المسلم الذي يرى إسرائيل بعيون محايدة؛ فما بالكم بحليق الذهن الذي يُبشر بها أو يشعر في حضورها بانخفاض نسب التوتر؟ في هذه الحالة هو يتخلى عن روحه وهويته، والذين ينصحون حكوماتهم باحتضان إسرائيل هذه الأيام يعانون من انهيار قيمي يوهمهم أن الأسوياء يمكن أن يتقبلوا التسامح مع كيان متخلف وهمجي واستعلائي. حينما أرى كائناً إسرائيلياً على الشاشة أشعر تلقائياً بعفونة الجو، واتساخ الصورة، وأجتهد في استخدام ما تصل إليه يدي من معقمات ومنظفات حفاظاً على عقلي وبيتي من الجراثيم والأوبئة؛ فكيف أفعل بالسعودي المحترم الذي يحمل إلي كل أنواع الموبقات الإسرائيلية ويحاول تزيينها لي؟! قوارير الكتابة الذين يطفون على السطح من وقت لآخر لا يفرقون كما يبدو بين الثابت في سياقنا الثقافي وبين المتحول الطبيعي الذي لابد منه، ويعتقدون أن قراءة التاريخ وحفظه عن ظهر قلب بدعة في هذا الزمن؛ بينما الحقيقة أن من يحفظ التاريخ هو من يقف ضد البدعة والهذيان السياسي والثقافي، ومن ذلك موقفنا من إسرائيل ما لم تتغير وتعيد ما سرقت. بمنتهى الأمانة لا يمكن لموقفي من إسرائيل أن يتغير لمجرد أن شاويشاً سعودياً متقاعداً خارج العصر صافح مسؤولاً إسرائيلياً، ولا لأن صحفياً طفا فجأة على سطح الأحداث فارتج عليه فبشر بها بنزق؛ لقد قرأت تاريخ إسرائيل كاملاً وهضمت مواقفها تجاهنا جيداً، ولا أظنها تغيرت حتى نتغير، ولا أعادت الحقوق المسروقة حتى نتسامح معها ونراها كائناً لطيفاً أو ملائكياً.. أتفهم أن تقوم دولة عربية بعقد اتفاقية مع إسرائيل لأن للدول ضروراتها؛ لكنني كمواطن عربي متمسك بخياراتي، وعلى رأس هذه الخيارات أن أستمتع بكراهية ورفض إسرائيل بالطريقة التي تعجبني، والسبب واضح وبسيط وإن تجاهله قوارير الكتابة والجنود المتقاعدون وهو أنها تحتل أرضاً عربية إسلامية، ولا يهمني إن كان أصحاب تلك الأرض عملاء أو خونة أو منقسمين على أنفسهم فهذا شيء يخصهم وحدهم.. أما ما يخصني فهو أن أكون متسقاً مع قيمي ومبادئي، والله الهادي إلى سواء السبيل.