السفر متعة وفيه راحة للجسد وفسحة للعقل، ولا نستغرب من هواة السفر ذلك الترحال الذي يعتبر في نظرهم إحدى وسائل السعادة ومحطة من محطات التغيير، ولكن إذا كان السفر في مثل ما رأيناه من طوابير تلك السيارات المتزاحمة عند منافذ الحدود الخارجية، متجهة صوب عواصم الخليج في عطلة الربيع الأخيرة، بعدما نفذت كل مقاعد الطائرات فلا راحة منه ولا فسحة فيه! لقد أظهرت لنا وسائل الإعلام المختلفة معاناة أولئك وهم ينتظرون مع عائلاتهم لساعات طويلة، فيها كثير من القلق والتعب، تذكرني بحالات الفارين من المناطق المنكوبة، وأنا أتساءل مثل غيري هل هذه هي المتعة التي يبحثون عنها والراحة التي يسعون لها؟ صحيح أن السياحة لديهم ميسرة والخدمات متوفرة، وما تراه هناك قد لا تراه هنا من مسارح وملاه ودور سينما، ولو تجاوزنا ذلك إلى الأسواق الفسيحة والمطاعم المتنوعة والفنادق العملاقة، فنحن لسنا ببعيدين عنهم خاصة أن المناخ المناسب والتنوع الجغرافي يميل إلى صالحنا وهما المعيار الحقيقي إن لم يكونا أهم الأسباب الجاذبة للسفر صيفا أو شتاء، فكيف لو أضفت لهما سهولة الترحال إلى مقدساتنا وداخل ربوع بلادنا، التي فيها ما يغني كثيرا عن تلك المعوقات والقواعد والتنظيمات؟ ففي الربيع مثلا تظهر لنا سهول تهامة الخلابة التي تمتد من الشمال إلى الجنوب وهي تصافح البحر، وجبالها الشامخة وهي تعانق السحاب في الفترة التي تختفي فيها جميع رمالها وتجري بها معظم أوديتها التي تزيدها جمالا وجلالا، والحقيقة أن تلك المناطق قد تطورت خلال السنوات الماضية تطورا ملحوظا خاصة في هذا العهد الزاهر، الذي يحتاج ربيعها دائما إلى شد الرحال إليها. وكم كنت سعيدا وأنا مع (قروبنا المميز) ونحن نستمتع بربيع تهامة هذا العام، ونشاهد المشاريع السياحية والترفيهية وحدائقها التي زودت بجميع الخدمات علي طول مدن ذلك الساحل الفيروزي البكر. حيث انطلق (قروبنا) من جدة مرورا بالقنفدة وناوان، التي اتجهنا منها إلى جيزان عروس الفل والكادي، واستقر بنا المقام في فرسان الزاخرة بالحياة الطبيعية والفطرية ولو أنها لم تستثمر بالشكل المطلوب، ومن فرسان عدنا إلى صبيا وواصلنا الرحيل بعدها إلى جبال فيفا الساحرة ملكة جمال الطبيعة في السعودية كما يطلق عليها، ومنها عدنا إلى صبيا ومن ثم إلى الشقيق مرورا برجال ألمع ومحايل عسير. وبما أننا على مشارف صيف هذا العام وقد توقفت السياحة في بلدان كثيرة، فإن جبال السراة قد حباها الله جمالا ربانيا نحن أولى بأن نصنع منه سياحة محترمة، وأن نشجع نمو مشاريعها مقابل قصور هيئة السياحة الدعائية ونقص اللوحات الإرشادية وكثافة المطبات الصناعية التي معظمها في غير مكانها. وبخلاف ذلك فلقد كان لنا رحلة من النادر حدوثها إلا أن من صنعها هم نجوم ذلك «القروب» الذين ألبسوا مواقفها الطريفة وشاحا سيبقى عالقا في حاضنة الذكريات. فشكرا للأستاذ مفرح البناوي وكيل محافظة رجال ألمع الذي أسعدنا بضيافته ومشاركته لنا في زيارة قرية رجال ألمع التاريخية، التي تعد أشهر وأجمل القرى التراثية والأثرية في الجزيرة العربية، التي جعلتني أنصح بزيارتها لأن من رأى ليس كمن سمع!