في الصيف تنطلق قوافل المصطافين لبقاع الأرض، كل يبحث عن مقصوده من سفرته، بحسب ثقافته وعوامل نشأته المؤثرة! فالمثقف يبحث عن موارد لزيادة ثقافته، والباحث يبحث عن جوانب تثري أبحاثه بحسب تخصصه، والعاشق للجمال/ الترحال/ التاريخ والآثار يروي نهمه، والكاتب والشاعر يختلي بنفسه في بيئات ملهمة؛ ليستحث جوانب الإبداع في نفسه، وحتى التاجر تغلب عليه مهنته! وكلٌ يُعرف بهويته. فالهوية شعار ظاهر، وعلامة مسجلة. لكن البعض لهم شأن في أسفارهم كشأن من تسلقوا الجبال بأحذية البحر! فهم يرحلون للمباهاة وطلباً للتميز والتغيير، فيتميزون ولا يتغيرون! يتميزون بنظرات ازدراء لهم من غيرهم، لك أن تراهم في المطاعم، والمراكز التجارية، وأماكن السياحة، وحتى مجاري الأنهار وقمم الجبال وسفوحها لتحكم عليهم بأنهم فعلا (حمقى)! قد تسمع من يهمس عنهم: (حمقى)، لعشوائيتهم وبدائية سلوكهم، كل عام في بلد، ولا يملكون عن تلك البلدان أية معلومة مهمة سوى صور الذكريات! لأنهم ببساطة لا يقرأون عنها قبل السفر إليها، ولا يتأملون جيدا أثناء السفر! فقط يكملون نقصاً يجدونه في نفوسهم، لمجاراة الأمم! قد ترى من يدخل أفخم المطاعم ويطلب لاثنين ما يكفي لأربعة. ثم يقوم ويترك بقاياه، فقط ليتصور في ذلك المطعم! وقد تتعجب ممن يدفع 50 ألفاً في رحلة، ويحرم نفسه من الطعام لكونه غالياً! وقد ترى من يمضي جل رحلته في الأسواق وكأن بلده لا أسواق فيها! فلو سألت أغلبهم عن سبب اختياره للبلد الذي سافر إليه لأيقنت أن رحلته بلا هوية، لذا لن تجد لها أثرا نافعاً عليه. جميل أن تُكثر السفر والترحال، وأن تخالط الشعوب والأمم متأملا متفكراً في حالهم وحالك، وأن تجري موازنات عادلة فتكتسب الجميل، وتهذب القبيح في نفسك، وتتمسك بما تفوق به غيرك من قيم ومبادئ! ففي الكون والخلق مواضع تدبر، وعلامات دلالة على الحق لا ندركها إلا بحسن التأمل، وإطالة الفكر، فيما نراه حولنا، وأكثر ما يكون فائدة في المواضع غير المألوفة لنا التي تتحصل بالسفر والترحال! (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) لكن أن تنفق الألوف، وتعود بلا شيء غير أن تقول زرت البلد الفلاني! فذلك غبن عاجل!.