وصف خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، الحوثيين ب «فئة تغوّلت فيها روح الطائفية»، ودعا علماء المسلمين إلى تكثيف التوعية بخطر هذه الفئات الضالة، معتبراً أن عملية «عاصفة الحزم» تصدَّت لمحاولة تحويل اليمن إلى قاعدة تنطلق منها مؤامرة إقليمية لزعزعة الأمن والاستقرار في دول الشرق الأوسط. وذكَّر خادم الحرمين الشريفين، خلال كلمة ألقاها نيابةً عنه مستشاره أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل أمس في افتتاح الدورة ال 22 للمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، بأن الحوثيين لوَّحوا بتهديد المملكة العربية السعودية بدعمٍ من جهات خارجية تسعى للهيمنة، مشيراً في الوقت نفسه إلى جهات يمنية داخلية نقضت المبادرة الخليجية. واتَّهم الجماعة المتمردة في اليمن ب «توظيف الطائفية المقيتة لتحقيق أطماع سياسية دنيوية لا علاقة لها بنصرة الدين والأمة وب «محاولة العدوان على الغير والاستحواذ على حقوقه بالاستقواء والمبالغة». وأكد أن المملكة هبَّت هي ومَنْ تضامن معها من الدول لتلبية نداء الواجب في إنقاذ هذا البلد وشعبه من الذين تغوَّلت فيهم روح الطائفية، واتهم الجهات الخارجية التي تدعم جماعة الحوثي بالسعي لتحقيق أطماعها في الهيمنة على المنطقة وزرع الفتن فيها «دون مراعاةٍ لما يربطها بدول هذه المنطقة وشعوبها من إخوَّة إسلامية وقوانين وأعراف دولية». وإذ أبدى الملك ثقته في أن «هذه المحاولة المقيتة» لن تبلغ شيئاً من أهدافها أمام صرامة دولنا ويقظة شعوبنا؛ رأى أن «الخطورة التي تكمن في دوافعها والجهات التي تقف وراءها؛ تستوجب عدم السكوت عليها أو التساهل في مواجهتها»، مبيِّناً أنها «استهدفت تحويل اليمن إلى مسارح للإرهاب والفتن الماحقة والصراع الدامي على غرار ما طال بعض الدول الأخرى». ودعا علماء الأمة الإسلامية إلى تكثيف جهودهم للتوعية بخطر هذه الفئات الضالة وأهدافها التآمرية على الأمة، و»أن يشددوا في التحذير من بذور الشر والفساد التي تفتك بالأوطان الإسلامية من داخلها». وحثَّ رابطة العالم الإسلامي خصوصاً على مزيد من التنسيق والتعاون المثمر مع الهيئات والمؤسسات الإسلامية الأخرى ل «وضع إطار عام للعمل الإسلامي المشترك يحذر المسلمين من مواطن الشبهات ويرشد الشباب، خاصةً إلى المنهاج القويم الذي جاءت به الشريعة الإسلامية، وينقذهم من مخاطر الانزلاق وراء الأفكار والدعوات المنحرفة». وحذَّر من أن «اجتراء الأدعياء واتخاذهم رؤوساً ومراجع؛ يُدخِل على الناس اللبس والتشويش في دينهم، وتختلط لديهم المفاهيم الشرعية، وتنفتح عليهم بذلك أبواب الفتن، لاسيما في زماننا هذا حيث النفوس الضعيفة والشُّبه الخطّافة». ولفت إلى «الخطر الداهم على ديننا وأمتنا الإسلامية»، مؤكداً أن فئات «برزت في بعض أوطان الإسلام؛ تعيث في الأرض فساداً، وتسعى في الناس إجراماً وإرهاباً، متشحةً زوراً وبهتاناً بأولوية الجهاد خلافاً لما شرعه الله، فغاية الجهاد هي نشر الأمان وحماية الأوطان ودفع العدوان ونصرة المستضعفين». من جهته؛ نبَّه مفتي عام المملكة، الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، إلى أن «قضية اليمن ليست قضية عربية، بل هي إسلامية لأنها أقيمت لإضعاف الأمة وإشغالها عن واجباتها». وقال المفتي -خلال كلمة في افتتاح دورة المجمع الفقهي الإسلامي- إن ما قامت به المملكة من عملٍ استهدف إعادة الأمن والاستقرار والحفاظ على أرواح اليمنيين، مضيفاً «عاصفة الحزم جاءت لردع عدوان المعتدين وظلم الظالمين وكل المسلمين يؤيدون ذلك، ويرون أن هذا موقف إسلامي شجاع جاء في وقته». وفي شأنٍ آخر؛ لاحظ آل الشيخ أن «الفقه الجماعي أدعى للقبول والصواب في اجتماع الأمة تحت مظلة رابطة العالم الإسلامي على اختلاف مناهجهم وثقافاتهم من أجل التقارب وتقريب الخلاف واتحاد الصف»، معرِّفاً الفقه الحقيقي بأنه «الفقه عن الله في مراده واتباع أوامره واجتناب نواهيه وتوحيد الله، وأن يعلم المسلم أنه قد خلق لعبادته». واعتبر أن «المملكة أسَّست المجامع الفقهية لخدمة المسلمين في دول العالم كافة»، ووصف وجود فئة من المسلمين تخدم الدين ب «إحدى نعم الله على الأمة» في إشارةٍ إلى العلماء، منوِّهاً بالدور الذي يقوم به المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي. بدوره؛ دعا الأمين العام للمجمع، الدكتور صالح بن زابن المرزوقي، العلماء إلى تدارس وإيضاح آثار ما يقوم به الحوثيون على مستقبل الأمة «فهي بحاجة إلى حكمة العلماء لأن القضية ليست من القضايا السهلة»، وحثَّهم على أن «يقيموا الشهادة لله؛ ولا يخشوا في الله لومة لائم»، واصفاً كلمة العلماء ب «حكمٍ ينبغي أن يسمعها كل المسلمين». واتهم المرزوقي، في كلمةٍ له خلال افتتاح الدورة ال 22 للمجمع الفقهي الإسلامي، الحوثيين ومَنْ ساندهم من داخل اليمن وخارجه ب «الاعتداء على سلطة البلاد الشرعية، وقتل الأبرياء، واحتلال المدن، ومحاولة الاستيلاء على السلطة وغير ذلك من الأعمال الشنيعة؛ ما أوصل هذا البلد إلى حالٍ متردية». ورأى أن «الأمة الإسلامية تتطلع إلى ما يتمخض عنه اجتماع هذه الدورة من نتائج إيجابيةٍ تنير لها طريقها وتعينها على إيجاد الحلول لمشكلاتها». وأوضح أن الدورات ال 21 السابقة أسفرت عن صدور 127 قراراً وبياناً، عادَّاً رعاية خادم الحرمين الشريفين أعمال الدورة الحالية «شاهداً من شواهد الدعمين المادي والأدبي المستمرين والمتجددين للهيئات الإسلامية ومجامعها ودور العلم ومعاهده؛ خدمةً للعلم والعلماء ورعايةً لشؤون المسلمين، وهذه واحدةٌ من مكارم كثيرة له». في السياق نفسه؛ أفاد المرزوقي بأن «جدول أعمال هذه الدورة يحظى بمواضيع متعددة، منها ما له علاقة بالعبادات والأموال، ومنها قضايا طبية واجتماعية وفلكية وغير ذلك»، مشيراً إلى «بذل المجمع الفقهي بمجلسه الذي يضم كبار علماء العالم الإسلامي وفقهائه وبلجانه ومستشاريه؛ جهده في تلمُّس حاجات الأمة وبذل الجهد في النظر والتروي في المواضيع وصولاً إلى الحكم الصائب والرأي السديد الذي تطمئن إليه النفوس وتغتبط به القلوب؛ ولهذا فإن قرارات المجمع وبياناته موضع القبول والاطمئنان من المسلمين شرقاً وغرباً». بدوره؛ أبدى العالم المصري، الشيخ نصر فريد محمد واصل، ارتياحه ل «الدور الذي تقوم به المملكة في المنطقة من أجل إرساء الأمن والاستقرار وإعادة الشرعية»، مشيداً ب «حرص خادم الحرمين الشريفين على حقن الدماء المسلمة وتلمُّس احتياجات الأقليات المسلمة في أرجاء المعمورة كافة». وشرح واصل، في كلمةٍ ألقاها نيابةً عن ضيوف المجمع الفقهي، أن هذه الدورة ستحاول تلمُّس احتياجات المسلمين الفقهية «إذ ستناقش ما أشكل عليهم من قضايا تلامس حياتهم اليومية، كالتعويض عن الضرر الأدبي أو المادي الناتج عن الجناية أو الشكوى الكيدية، والبيع والتأجير بالسعر المتغير، وقضايا الإحرام، وأحكام المطلقة وغيرها من أجل الوصول إلى حكم شرعي يفيد الأمة الإسلامية، التي تجد في هذا الدين الحنيف ما لم تجده في غيره من الأحكام الوضعية». أرحب بضيوفنا الأفاضل وأحيي الحضور الكريم في مهبط الوحي برسالة الإسلام العالمية الخالدة، التي شعارها السلام وغايتها تخليص الناس من ظلمات الشرك والأوثان إلى نور التوحيد والإيمان، وتحريرهم من رقة استعباد الإنسان لأخيه الإنسان إلى خلوص العبودية لله وحده – جل وعلا-، ومن ثم جاءت الرسالة المحمدية رحمة للعالمين مصداقاً لقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ). لقد اهتمت المملكة العربية السعودية -أيما اهتمام- بتنظيم الفتوى وإنشاء مؤسساتها من: المجامع وهيئات البحوث الشرعية والإفتاء التي تضم كبار العلماء الثقات الراسخين في العلم، حيث تتبنى هذه المرجعية الجماعية المؤهلة، التي ينتظم عقد هذا المجمع الفقهي الممثل للعالم الإسلامي في إطارها، دراسة المواضيع ذات الصلة بالقضايا العامة ومستجدات العصر، والخلوص إلى الرأي الشرعي الصحيح فيها، لأنها بطبيعتها تتطلب تضافراً في الجهود لتذليل صعابها، واستيفاء جوانبها، والإحاطة بملابساتها، وتتقلص بذلك دائرة الخلاف في المسألة المعروضة، ويتجلى فيها القول السديد والرأي الشديد الذي يصلح عليه أمر الأمة، طبقاً للفهم الصحيح لمقاصد الشريعة الإسلامية الغراء التي لم تدع شأناً من شؤون الدنيا والآخرة إلا فصلت فيه (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) . وفي هذا الصدد؛ وصوناً للقول في دين الله تعالى من تطفل الأدعياء، والتسيب في الإفتاء، وسداً للباب في وجه المتجرئين على هذه المهمة الجليلة، الذين حذر الله منهم بقوله: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ)، وقد شددت المملكة فيما صدر من توجيهات سامية على أهمية قصر الفتوى على أهلها المشهود لهم بالجدارة: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ). ذلك أن اجتراء الأدعياء واتخاذهم رؤوساً ومراجع يدخل على الناس اللبس والتشويش في دينهم، وتختلط لديهم المفاهيم الشرعية، وتنفتح عليهم بذلك أبواب الفتن، لاسيما في زماننا هذا حيث النفوس الضعيفة والشُّبه الخطّافة، والمغرضون يترقبون. وفي هذا من الخطر الداهم على ديننا وأمتنا الإسلامية، ما نشاهد من الفئات التي برزت في بعض أوطان الإسلام، تعيث في الأرض فساداً، وتسعى في الناس إجراماً وإرهاباً، متشحةً -زوراً وبهتاناً- بأولوية الجهاد خلافاً لما شرعه الله غاية الجهاد بأنه لنشر الأمان وحماية الأوطان ودفع العدوان ونصرة المستضعفين. أيها الإخوة… ومن الخطر الأعظم الذي يهدد أمتنا الإسلامية أيضاً، توظيف الطائفية المقيتة لتحقيق أطماع سياسية دنيوية لا علاقة لها بنصرة الدين والأمة، وإنما تستهدف العدوان على الغير والاستحواذ على حقوقه بالاستقواء والمبالغة، على نحو ما شاهدته دولة اليمن مؤخراً. وفي مواجهة هذا الخطر، وبعد أن استنفدت كل السبل السليمة لرأب الصدع في اليمن الشقيق، وإيقاف العدوان على شرعية الدولة، وإعمالاً لقول الحق تبارك وتعالى: (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ). هبَّت المملكة العربية السعودية -ومَنْ تضامن معها من الدول في عاصفة الحزم- لتلبية نداء الواجب في إنقاذ اليمن وشعبه الشقيق من فئة تغولت فيها روح الطائفية فناصبت العداء لحكومة بلدها الشرعية، وعصفت بأمنه واستقراره، وأخذت تلوح بتهديد دول الجوار وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية؛ بدعم من جهات خارجية تسعى لتحقيق أطماعها في الهيمنة على المنطقة وزرع الفتن فيها، دون مراعاة لما يربطها بدول هذه المنطقة وشعوبها من إخوة إسلامية وقوانين وأعراف دولية. وازداد استقواء هذه الفئة بتآمر جهات يمنية داخلية نقضت ما سبق أن عاهدت عليه من الالتزام بمقتضيات المبادرة الخليجية، التي كان فيها المخرج لهذا البلد الشقيق من حالة الانسداد ودوامة الصراع الذي كان يمزقه. وما كان للمملكة من غرض في عاصفة الحزم -التي لقيت تأييداً عربياً وإسلامياً ودولياً واسعاً- سوى نصرة اليمن الشقيق، والتصدي لمحاولة تحويله إلى قاعدة تنطلق منها مؤامرة إقليمية لزعزعة الأمن والاستقرار في دول المنطقة، وتحويلها إلى مسارح للإرهاب والفتن الماحقة والصراع الدامي على غرار ما طال بعض الدول الأخرى. وهذه المحاولة المقيتة في اليمن، وإن كنا على ثقة تامة -بحول الله ونصرته للحق- بأنها لن تبلغ شيئاً من أهدافها أمام صرامة دولنا ويقظة شعوبنا، إلا أن الخطورة التي تكمن في دوافعها والجهات التي تقف وراءها؛ تستوجب عدم السكوت عليها أو التساهل في مواجهتها. لذلك، فإن من المأمول من علماء الأمة الإسلامية -في هذه المجمع وغيره- أن يكثفوا جهودهم للتوعية بخطر هذه الفئات الضالة، وأهدافها التآمرية على الأمة، ويشددوا في التحذير من بذور الشر والفساد التي تفتك بالأوطان الإسلامية من داخلها. أيها الإخوة.. إن المملكة العربية السعودية تتابع -باهتمام وتقدير- مناشط رابطة العالم الإسلامي في خدمة الإسلام والدفاع عن قضاياه ووحدة صف المسلمين، والأمل معقود على الرابطة -ومَنْ يتعاون معها من المخلصين لدينهم وأمتهم- في مزيد من التنسيق والتعاون المثمر مع الهيئات والمؤسسات الإسلامية الأخرى لوضع إطار عام للعمل الإسلامي المشترك يحذر المسلمين من مواطن الشبهات، ويرشد الشباب -خاصة- إلى المنهاج القويم الذي جاءت به الشريعة الإسلامية الغراء، وينقذهم من مخاطر الانزلاق وراء الأفكار والدعوات المنحرفة. أسأل الله تعالى أن يوفقكم لما فيه الخير لديننا وأمتنا، وأن يجمع كلمة المسلمين على الهدى والتقوى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ).