سبحان الله، ما أجمل هذا الدّين، وما أبهاه، فالإيجابية سمة فيه، والترفّق بالإنسان وسيلة للارتقاء به، وأبواب الخير مشرعة لكل الناس على اختلافهم، كذلك هي أبواب التوبة، لا فرق بينهم فكلهم أبناء آدم، وآدم من تراب، وحين نقرأ حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «كل ابن آدم خطّاء، وخير الخطَّائين التوابون»، ندرك، وبلا شك، أن فعل الخطأ فطرة في البشر، ولا يستثنى من ذلك أحد إلا «المعصوم» صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، وأنه حتى المؤمن، مهما تحرّز، واجتهد، فإنه لن ينجو منه، وقد قيل: لولا الخطأ لما عرف الإنسان الصواب. ولأن الإحساس بثقل الذنب يؤدي بالإنسان إلى حالة من الكآبة، والشعور بالإحباط، ومن ثم إلى مزيد من التردي والانحدار في اتجاه مضاد لمرتبته العليا بين المخلوقات، فقد أرشدنا ديننا إلى الدواء قبل استفحال الداء، وإلى المسرَّة قبل الحزن، والأمل قبل اليأس، وهي وصفة يسيرة من كلمتين تقولهما: «أستغفر الله». أما أثرها فيخترق القلب، ويسمو بالروح. وكما أن في الحديث بشارة صريحة لكل بني آدم، ففيها أيضاً إشارة تحذير لطيفة إلى كل مَنْ يعتقد في عمله، ويرى فيه، ممحاةَ ذنوبه، ف «تعشى بصيرته»، وتتسع عيناه على مثالب غيره، وتتناسل في فمه ألسنة التجريح، وتصمّ أذناه عن سماع ما لا يوافق هواه، فلا يظن في نفسه إلا خيراً، ولا يظن في غيره خيراً. يقول الشافعي رحمه الله: إذا رمت أن تحيا سليماً من الأذى *** ودينك موفور وعِرْضُكَ صَيّن لسانك لا تذكر به عورة امرئ *** فكلّك عورات وللناس ألسن وعينك إن أبدت إليك معايباً *** فدعها وقل يا عين للناس أعين وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى *** ودافع ولكن بالتي هي أحسن.