أبدى اقتصاديون ورجال أعمال توقعاتهم بأن يقضي قرار مجلس الوزراء الصادر مؤخراً بفرض رسوم على الأراضي البيضاء على الاحتكار في سوق العقار المحلي، مؤكدين بأنه سيكون له تأثيره على خفض أسعار المساكن والمخططات العمرانية بالشكل الذي يساهم في حصول المواطنين على السكن بشكل أكثر يسراً، وأجمعوا على أن الظروف باتت مهيأة للطبقة المتوسطة لامتلاك المساكن بأسعار ميسَّرة ومعقولة، مشددين على أن الفترة المقبلة ستشهد كثيراً من المتغيرات التي تؤثر على توجهات السوق العقارية، وأشار خبراء في سوق العقار المحلية إلى وجود ما يقارب 20 مليار متر مربع من الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمناطق والمدن السعودية، ويمتلك رجال الأعمال نحو 20% من تلك الأراضي، فيما يُلاحَظ أن أكثر من 40% منها غير مستغلة ويملكها قلة من الأشخاص الذين كانوا يساهمون من خلال هذا «الاحتكار» في ارتفاع أسعار العقارات. أشاد عضو مجلس إدارة غرفة جدة فهد بن سيبان السلمي بالقرار، وقال «إن هذه الخطوة تهدف إلى فك احتكار العقارات، والوقوف في وجه من يقسم السوق ويحتل الأراضي من أجل رفع سعرها»، لافتاً إلى أن الإجراءات الجديدة ستؤدي حتماً إلى انخفاض سعر العقارات غير المطورة، وبالتالي تدنِّي قيمة إيجارات الوحدات السكنية التي ستشيَّد على هذه الأراضي، وشدد على أن القرار سينشِّط الدورة الاقتصادية، لأنه يَطُول أحد أبرز القطاعات التي تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد، ألا وهو سوق العقار والبناء. وأضاف السلمي قائلاً «لا شك أن خطوة فرض رسوم على الأراضي البيضاء سيدفع كثيراً من محتكري الأراضي البيضاء وملاكها إلى استثمارها أو بيعها، وهو الأمر الذي سيفرض واقعاً جديداً، وسيتجاوب السوق مع المنطق العلمي البحت والقاعدة الاقتصادية المعروفة وهي العرض والطلب، لذلك فإنه في حال شح ونقص العرض مقارنة بالطلب فإن أسعار العقار ستكون متماسكة، وفي حال زيادة المعروض عن الطلب والحاجة سواء في الأراضي أو الوحدات السكنية أو التجارية فإننا وقتها سنرى هبوطاً للأسعار، وسنبدأ حينها في رؤية أسعار للعقار لم نرها أو نسمع عنها منذ أكثر من سبع سنوات، وهذا الأمر يصبُّ في مصلحة سوق العقار المحلي، وسيساعد على القضاء على أزمة السكن وارتفاع أسعار الوحدات السكنية». من جهته، علَّق المهندس خالد باشويعر رئيس لجنة الإسكان في الغرفة التجارية بجدة قائلاً «هذه التوصية التي رُفعت من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية تعتبر قراراً حكيماً وإيجابياً، وسيكون في حال اعتماده أكثر وأقوى أداة ستسهم بشكل كبير جداً في انخفاض الأسعار بشكل لم تشهده المنطقة من قبل، وتحديداً في القطاع السكني وذلك لتوقُّع زيادة المعروض من الأراضي من قبل العقاريين وملاك المخططات الذين سيُجبَرون على تطويرها وبيعها تفادياً لدفع الرسوم». وبيَّن باشويعر أن هنالك ملايين من الأمتار المربعة الخالية في كافة المناطق؛ ففي مدينة جدة وحدها تبلغ نسبة الأراضي البيضاء ما يقارب 50% من مساحة المدينة الإجمالية، وهي أراضٍ غير مطورة، ولا شك أن القرار يصب في مصلحة الجميع، المواطن والمطوِّر العقاري أيضاً، «وأبدى المهندس خالد تفاؤله بأن انخفاض الأسعار سيزيد من حركة البيع والشراء في السوق، وستكون هناك سوق عقارية تطويرية نشطة بدلاً من الركود الحاصل حالياً؛ حيث سيكون في إمكان المواطن شراء عقار بسعر مناسب وميسر ويتوافق مع دخله، وسيتمكن المطور من بيع منتجاته بشكل أسرع ولن تتضرر نسب أرباح المطورين، بل بالعكس سيكون هنالك حركة بيع سريعة ونشطة وانتعاش يستفيد منه الجميع بمشيئة الله». وأكد رجل الأعمال والاقتصادي محمد حسن يوسف أن فرض رسوم على الأراضي البيضاء قد يؤدي إلى إحداث تغييرات جوهرية في السوق، وسيساهم في هبوط حاد لأسعار العقار خلال العامين المقبلين، وهو الأمر الذي سيصب بلا شك في صالح المواطن من ناحية الأسعار، وسيساعده على حيازة مسكن بسعر ميسر ومعقول، وستتغير أيضاً حسابات جميع المستثمرين في القطاع العقاري، ولكن تبقى الكلمة الأخيرة والفيصل والتأثير الأقوى في هذا الجانب للعرض والطلب وهو ما سيحكم السوق في المرحلة المقبلة. وأضاف قائلاً «إن الإجراءات والأنظمة الجديدة التي فرضها مجلس الوزراء ستؤثر على قانون العرض والطلب، فقد زاد الإنفاق الحكومي ولم يؤدِّ انخفاض أسعار البترول إلى تقليل إنفاق الدولة على مشاريع التنمية، وبالتالي دورة الانكماش لم تبدأ بعد؛ فالعقار ليس أرضاً فقط وإنما أرض وبناء وبالتالي يدخل في مكوناته كثير من السلع والخدمات، والتأثير المباشر على العرض والطلب وعلى السلع والخدمات يأتي من ارتفاع أو انخفاض إنفاق الدولة على مشاريع التنمية». وأكد أن فرض الرسوم قد يؤدي إلى حدوث ارتباك في السوق العقارية التي تعاني بالفعل من نقص المساكن، فمثل ذلك القرار قد يؤثر على معنويات المتعاملين في القطاع العقاري ويتسبب في ارتفاع أسعار الأراضي في ظل ارتفاع الطلب، وطالب بوضع آليات تحكم تطبيق مثل هذا المقترح وتوفير حوافز لإنعاش السوق. وختم حديثه بقوله «يجب وضع حوافز تشجِّع المستثمرين في القطاع لتطويره وليس فرض رسوم تزيد من إرهاق الملاك، ويجب على مجلس الشورى دراسة العوائق التي يعاني منها القطاع بجدية والعمل على معالجتها، وهذا ما هو متأمَّل خاصة أن تطوير السوق العقارية سيكون له تأثيره على الاقتصاد الوطني». وكان للخبير العقاري خالد الضبيعي رأي مختلف، حيث قال «إن قرار الموافقة على فرض رسوم على الأراضي البيضاء هو قرار انتظره الشارع السعودي كثيراً، وسيكون بمنزلة نقطة تحول بارزة في تاريخ الاقتصاد السعودي، وتأثيره سيكون آنياً ومتوسط المدى وبعيد المدى، وكذلك سيكون له تأثير معنوي واضح على السوق العقاري من النواحي التسويقية والمادية، فالقرار يحمل سمات القرار التنفيذي والقرار الاستراتيجي في آنٍ واحد، حيث ستكون ردة فعله مباشرة على السوق خاصة على أراضي المضاربة التي تأثرت جزئياً في الآونة الأخيرة بسبب انخفاض أسعار البترول، وكذلك على الأراضي الاستثمارية المجمدة في المواقع الاستراتيجية داخل المدن من ناحية الإسراع في اتخاذ قرارات استثمارها وعدم التردد في هذه الخطوة من ملاكها». وأضاف «سيكون للقرار أيضاً كثير من التأثير على المدى البعيد، فإن ملاك عقارات المساحات الكبيرة سوف يرسمون استراتيجياتهم بناءً على المعطيات الجديدة للسوق؛ حيث إن استراتيجية التجميد وتجفيف السوق من المعروض حتى ترتفع أسعار الأراضي أضحت غير نافعة وغير مجدية، وهذا الأمر سيدفع ملاك الأراضي بإرادتهم أو مرغمين على رسم سياسات استثمارية استراتيجية بعيدة المدى ذات جدوى أفضل لهم وفي نفس الوقت أنفع لاقتصاد الوطن وللمواطنين». ويضيف الضبيعي «مثلما ذكرنا، فإن هذا القرار عند وضع وإقرار آلياته وتنفيذه سيذكره التاريخ كنقطة تحول يسجلها لخادم الحرمين الشريفين في خط زمن الاقتصاد السعودي ومعالمه، وسيظهر على المدى البعيد كعلامة بارزة في التنمية العمرانية؛ حيث ستُعمَّر نسبة كبيرة من الأراضي البيضاء من المؤكد أنها ستتجاوز ال 50% من الأراضي التي مر عليها عشرات السنين، وذلك خلال السنوات العشر المقبلة بإذن الله». وأضاف الضبيعي «بإذن الله سيستوعب ملاك الأراضي البيضاء رغبة وتوجهات الحكومة الرشيدة الساعية إلى تنمية الوطن والمواطن، لذلك نرجو أن يتفاعل ملاك العقارات الكبيرة بشكل إيجابي وسريع وبالشكل الذي يخدم وطنهم وينعكس على كافة المواطنين، وأن يقولوا كلمتهم علناً وتضامناً وبياناً لتأييدهم توجهات القيادة، وأن يتجنبوا بناء أيٍّ من استراتيجياتهم وخططهم بعيدة المدى على البحث عن وسائل وطرق التحايل على مثل هذا القرار التي لن تفيدهم وستضر باقتصاد وطنهم ومواطنيهم، لذلك نأمل أن يتم تسريع تطبيق مشروع السجل العيني للعقارات على كامل أراضي المملكة في أسرع وقت ممكن، الذي هو المحدد الرئيس لملاك العقارات والأراضي الكبيرة والصغيرة، وبالتالي هو المُعين على تطبيق مثل هذا القرار والآليات التي سيتم وضعها لأجل ذلك».