شهدت الساحة اليمينة خلال الأشهر الماضية أحداثاً دامية، ومؤسفة، سببت تلك الأحداث حالة من القلق، والخوف لدى كافة دول الجوار من أن يتحوَّل اليمن إلى نسخة صومالية طبق الأصل، فالظروف، والأوضاع السياسية، والاقتصادية آخذة في الانحدار يوماً بعد يوم، في ظل تخاذل دولي ممثلاً في مجلس الأمن، الذي اكتفى بالإدانة، والشجب رغم كل التحذيرات المتكررة، التي أعلنتها المملكة من خطورة الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية في البلاد، حيث طالبت مراراً، وتكراراً المجتمع الدولي بأن يتحمل مسؤوليته التاريخية، ويتخذ خطوات حازمة لإعادة الأمن، والاستقرار لليمن بموجب الفصل السابع لميثاق الأممالمتحدة، ولكن كالعادة لا يتحرك ضمير أعضائها الدائمين إلا بعدما تحدث الكوارث الإنسانية بأبشع صورها، وتندلع الحروب الطائفية، والقبلية بين أبناء المجتمع الواحد، حينها فقط من الممكن أن يتدخل مجلس الأمن ل "دواعٍ إنسانية"، من أجل أن يكون شاهداً على المذابح، والمجازر في حق الأبرياء، والعزل! كما حدث في رواندا، وبورما، والصومال، والبوسنة والهرسك… والقائمة تطول. لكن رغم كل تلك المخاوف التي تثيرها الأوضاع في اليمن، وأيضاً في بعض دول الجوار، ظلت المملكة المعادلة الصعبة في حسابات الأعداء، والأصدقاء على حد سواء، فلا أحد يستطيع أن يتنبأ بردود أفعالها تجاه أي عمل استفزازي يقوم به المتآمرون، والأعداء، فتارة تعالج الأمور بالحكمة، والدبلوماسية، بحيث تنأى بنفسها عن السقوط في أوحال التدخل في الشؤون الداخلية للدول، كما يفعل النظام الإيراني الطائفي في دول المنطقة، وتارة تلجأ إلى استخدام قوتها، ونفوذها الاقتصادي ضد خصومها بطرق مشروعة كي يكفوا عن محاولة المساس بأمنها، واستقرارها، وها هي الآن تقود تحالفاً عسكرياً نصرة للأشقاء في اليمن بعدما يئست من قيام مجلس الأمن بواجبه تجاه ما يحدث فيه من مآسٍ، وكوارث على يد الحوثيين. والأزمة الوحيدة التي كان فيها مجلس الأمن عند مستوى التطلعات هي أزمة الغزو العراقي دولة الكويت، وفي هذه الأزمة تحديداً تجلى دور المملكة الإقليمي، والعالمي أكثر من أي وقت مضى، فالجهود التي بذلتها المملكة كانت جهوداً جبارة، تكللت بنجاح "ساحق" لقوات التحالف في تلك الحرب. وها هي اليوم تتطلع إلى دور أكبر من ذلك، الذي قامت به أثناء حرب تحرير الكويت، حيث تقوم هي، وشقيقاتها دول مجلس التعاون الخليجي، وبعض الدول الصديقة بقصف مواقع المتمردين الحوثيين لوقف زحفهم نحو العاصمة البديلة عدن بهدف إسقاط الشرعية، وإدخال اليمن في دوامة الفوضى، والاضطراب. المملكة كانت، ولاتزال تؤمن بأهمية العمل الجماعي من أجل حفظ الأمن، والسلم الدوليين، لكن تخاذل المجتمع الدولي في التدخل لوقف المجازر، والمذابح، التي ترتكب في اليمن الشقيق، ورفض الانقلابيين – عملاء النظام الإيراني – المشاركة في حوار القوى السياسية اليمنية في الرياض من أجل التوصل إلى حلول تحقن الدماء، وتصون وحدة التراب اليمني، بالإضافة إلى توجيه الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي نداءً إلى المملكة العربية السعودية بسرعة التدخل علناً، بعدما أيقن أن المجتمع الدولي استمرأ سياسة الكيل بمكيالين، ولن يهتم كثيراً بأمن اليمن واليمنيين، ونظراً للقواسم المشتركة التي تجمع بين البلدين من دين، وعادات، وقيم أصيلة، وتاريخ مشترك، نظراً لذلك كله فقد تحملت المملكة مسؤوليتها التاريخية، وقررت أن ترفع الظلم، والاستبداد الطائفي عن كاهل المجتمع اليمني، وتحول دون سقوط الشرعية ممثلة في الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، الذي اختاره الشعب اليمني بكافة مكوناته، وطوائفه رئيساً للبلاد. إن "عاصفة الحزم" هي بداية مرحلة مفصلية في تاريخ المملكة الحديث، ستتذكرها الأجيال القادمة بفخر، واعتزاز كلما أتى ذكر الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ لأن الضعف، والهوان الذي أصاب الأمتين الإسلامية، والعربية في هذا العصر كرَّس الانهزام، واليأس في نفوسنا، حتى جاءت "عاصفة الحزم" لتعصف بكل الأوهام، والأطماع التوسعية للدولة الفارسية، وتدحر كيدها إلى نحرها، بإذن الله. اللهم احفظ بلادنا، وولاة أمرنا من كل سوء، وأدم علينا نعمة الأمن، والأمان.