ولا يجبُ أن يستوطنَ ويدخل هذا القلب إلّا مَن أذن الله له، كَما أن الدّاخل لهذا الحرم يجبُ عليه أن يحترمَ صاحب هذا الحَرم، وأن يتذّكر دوماً بأنه زائرٌ وضيف يُقيمُ عنده فيتأدبَ بآداب الزيارة.. وكَما أن آداب الزيارة لا تتجاوز الثّلاث ليالٍ، فإن مِن آداب البقاء في حرم الله أن لا يتقدمَ فضل الضيف عَلى المُستضيف، وإن تَقدم فيه فَضلُ الضّيف عَلى المُستضيف فإن ذلك يحتمُ بِطرد الضيف وَيعني بأن الضيف لَم يعد يستحق البَقاء. مَهما تَعلّقت قلوبنا بأمور جَميلة من حولنا وَمهما كَانت غالية تلك الأمور عَلينا يَجب أن يَبقى التّعلق الأكبر والأثمن لِصاحب هذا الحَرم لله وَحده -عز وجل-، وَيجب أن نُقدّم كُل غالٍ وَثمين رخيصاً زهيداً أمام رِضاه وَنستيقن بأن كُل مَا نقدّمه بِصدق يعود لنا بِحق، فَما قدّم إبراهيم إسماعيل إلاّ وفداهُ الله بِذبحٍ عَظيم، وَما أودعت أم موسى ابنها فِي الصندوق الخشبي إلّا وَحفظ الله لَها تلك الوديعة. أحلامنا الّتي تَرحل وأمنياتنا الّتي تتأجل هي فِي الواقع لَم ترحل وَلم تتأجل .. كُل مَا في الأمر أنها اختبأت قليلاً؛ لتكبرَ وتنمو أكثر وأكثر لكي تعود إلينا بهيئة أكثرُ جَمالاً، فَمن كرم الله -عز وجل- أن لا يهديكَ مَا تُحب وَتتمنى فقط بَل أضعافُ ذلك بِما يليقُ بِغناه -عز وجل- وَسعة لطفه.