البكاء فطرة في الإنسان، وسمة من سمات بشريّته، يتساوى فيها الصغير والكبير، والطفل والبالغ، والمرأة والرجل. وهو انفعال نفسيّ يحافظ على التوازن العاطفي المطلوب من أجل صحة نفسية مستدامة، قال تعالى: {وأنَّهُ هُوَ أضْحَكَ وأبْكى} سورة النّجم: الآية 43. والبكاء عند الأطفال من خصائص نموّهم، وفيه فوائد جمّة، فهو يُوسِّع مجاري التنفّس والشرايين، ويُقوِّي الأعصاب وعضلات القلب.. لكنّ الطفل بذكائه الفطريّ يستخدمه، في غالب الأحيان، سلاحاً للضغط على الكبار لتحقيق رغباته، وهنا يأتي دور المربِّي الواعي الذي يدرك أنَّ الغضب من الطفل أو عقابه سيُعقِّد الموقف، وسيُحوِّله من مخلوق سهل الانقياد إلى مشاكس وعنيد، وسينعكس ذلك على سلوكه في المستقبل، لذا نراه يتدرّج في إقناعه، فيبدأ بالحوار الهادئ، فإن لم يستجِب نفّذ ما عزم عليه بحزم، فإنْ بكى تركه دون أن يكترث، مهما بالغ في البكاء، وحينئذٍ سيدرك الطفل ألَّا فائدة من سلاحه الذي عوّل عليه، وسينصاع لأمر المربِّي. ومن دواعي بكاء الطّفل أيضاً رغبته في امتلاك ما عند غيره، وهذه نزعة تدعى «حبّ التملك»، وتظهر في مرحلة الطفولة المبكرة، وفيها يبدأ الطفل بالتمركز حول ذاته، وتصبح الأشياء في اعتقاده حقوقاً له، فيبذل كلّ ما في وسعه للمحافظة عليها، وربما بكى بكاءً مُرّاً إيماناً منه بأنّها له، فيجدر بالوالدين أن يُعوِّدا طفلهما منذ الصغر على تخصيص مكان لوضع ممتلكاته فيه، كخزانة مثلاً أو رفٍّ في غرفته، وأن يُستأذَن منه قبل أخْذِها منه، وأنْ تُعاد إليه بعد الانتهاء منها، كذلك عليهما أن يُعوِّداه الاستئذان من غيره. إنّ الطفل بريء من كثير من الصفات التي يحلو للكبار إلصاقها به، مثل قولهم: أنانيّ، بخيل، مُتسلّط، عنيد… لذلك علينا أنْ نرفق بأطفالنا، وألَّا نُحمّلهم أوزارنا لنَنْفُذَ من المسؤولية.