خلال الزيارة الجميلة والثرية التي شاركت فيها زملائي أعضاء منتدى الثلاثاء الثقافي لمثقفي جدة خلال الأسبوع الماضي، التي استهدفت التواصل مع الوسط الثقافي هناك، استفدت كثيرا من نقاش طرحته في صالون حامد عمر الأدبي حول موضوع «الوحدة الوطنية ومسؤولية المثقف». وقبل الدخول في تفاصيل الحوار أحببت أن أتقدم بالشكر الجزيل لكل من تكرم باستضافتنا في مراكزهم ومنتدياتهم الثقافية وجلساتهم الاجتماعية الجميلة، وأخص كلا من الدكتور زيد الفضيل الرئيس التنفيذي لمركز أحمد باديب للدراسات والاستشارات الإعلامية، والأستاذ محمد عمر عامودي صاحب الخميسية المعروفة، والأستاذ غسان حامد عمر مدير صالون حامد عمر الأدبي. النقاش الذي دار حول الموضوع أكد على أن دور المثقف غائب ومغيب، على الرغم من حجم التهديدات والتحديات القائمة التي نواجهها جميعا في هذه المرحلة، من تطرف وطائفية وتعارض تراتبية الولاءات. فالمثقف يشعر بأن دوره تقلص كثيرا في مقابل تصاعد دور السياسي والديني اللذين يهيمنان على مجالات التأثير والفضاء العام. وعلى الرغم من محاولات إبراز فرص العمل الثقافي الأهلي ودوره في الحد من التأثير السلبي لمثل هذه التحديات في هذه المرحلة الحرجة والدقيقة، إلا أن هناك شعورا بأن مثقفي هذه المرحلة غير قادرين على خلق فعل ثقافي حقيقي مناسب يمكنه أن يساهم في التوجيه والتأثير في الرأي العام. المثقف أصبح إما متواكلا ومتماهيا مع الجو العام دون أن يقدم أي إبداع فكري تجديدي، ويسير حسب ما توجهه الحالة الثقافية السائدة، بل وأصبح متحيزا ومستقطبا وأحيانا مبررا للواقع الذي يقر بسلبيته، أو منكفئا يائسا لا يرى أن هناك أي أفق للتغيير والتجديد. حاولت أن أؤكد على أن ممارسة عملية التغييب الذاتي من قبل المثقف عن الساحة الوطنية، خاصة في هذه المرحلة، ستضاعف من حجم الخسائر والأضرار المرتقبة، وأن المسؤولية الوطنية تتطلب مزيدا من بذل الجهد الفكري والثقافي المشترك من أجل إعادة تموضع دور المثقف في المشهد العام. في معظم هذه اللقاءات الجماعية الرائعة لمست أن هناك أفكارا وآراء غاية في الأهمية تتناول مختلف القضايا والأحداث القائمة، وهناك رغبة في الإفصاح والإجهار بها من أجل المساهمة في مواجهة التحديات القائمة والعمل على مواجهتها. من الأفكار التي وجدت أن لها مقبولية العمل الثقافي على تعزيز قيم السلم الأهلي كالمواطنة والتسامح والحوار وغيرها، وكذلك تكثيف الجهود الرامية لمواجهة التطرف والتشدد والطائفية بمختلف أنماطها. كما أن مبادرات التواصل وبرامج الحوار بين المثقفين يمكنه أن يساهم في الحد من التباعد الفكري والاجتماعي ويساهم في تجسير العلاقة بينهم. من المؤكد أن المثقف لا يقتصر دوره على نقد واقعه وكشف الخلل فيه فقط، بل يتعداه لينتج إبداعا خلاقا يساهم في البناء والتصحيح الفكري والثقافي في مجتمعه، وهذا بالطبع لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل وجود بيئة حرة تتيح مجالا للإبداع الفكري والثقافي في مختلف المجالات. أملي في أن تتواصل مثل هذه اللقاءات والحوارات بين المثقفين في مختلف المناطق وبصورة مستمرة، لبحث آفاق التعاون والعمل المشترك وبلورة الرؤى المتقاربة تجاه دور المثقف ومسؤولياته الوطنية.