لم يحتج الأمر إلى أكثر من دعوة «فيسبوكية» عبر صفحة شخصية، ليتحوّل جزءٌ من كورنيش القطيف إلى تجمّع «ثقافيّ» حول «العصيدة». وهكذا حضر مسرحيون وتشكيليون وكُتّاب ووجوه اجتماعية، صباح أمس، إلى الواجهة البحرية ومعهم فريقٌ من الفوتوغرافيين، ليدعموا فكرة إعداد العصيدة على الطريقة التي تُعدّها أمهاتهم وجدّاتهم. هذا ما نجح فيه هاوي الطبخ فاضل آل بريه الذي حشد الناس، للأسبوع الثاني على التوالي، حول الطبخة الأكثر شعبية في الشتاء القطيفي. ومنذ الثامنة صباحاً حتى الواحدة ظهراً، راحت القُدور تتناوَب على يديه، لتحويل الطحين والماء والسكر والزبدة إلى وجبات مجّانية قبالة الشاطئ. بساطة يرى فيها آل بريه أكثر مما يبدو عليه طبق العصيدة اللامع بزبدته. إنها الوجبة الأهمّ في حياة الأسلاف الكادحين. كانوا يحتاجون إلى الدهون والسكّر والنشويات والسعرات الحرارية العالية ليُحرقوها في نهارات الزراعة أو الصيد. توارثتها الأمّهات لتغذية عائلاتهن، في أزمنة لم تكن فيها معلّبات ولا حلويات ولا باعة طعام جاهز. وصباح أمس؛ حضر أطفالٌ برفقة آبائهم وأمّهاتهم ليعيشوا حدثاً وثائقياً فلكلوريّاً على مدى نصف نهار. بعضهم اهتمّ بتوثيق حضوره عبر التصوير. بلغت الطرافة مبلغها في التقاط صور «سلفي» مع الأطباق.. بدا مشهد كورنيش القطيف وكأنّ فيه «احتفالية» من نوع ما.. وآل بريه، المعروف ب «أبو أميرة السنابسي» جاء من بلدة «سنابس» ومعه 20 كيلوجراماً من الطحين ل «يحتفل» والناس بواحدة من وجبات المطبخ المحلّي. «احتفالية» أمس هي الثانية، ففي الأسبوع الماضي أعد 13 كيلوجراماً من جيبه الخاص. لكنّ مؤونة أمس تكفّل بها رجل الأعمال سعيد الخبّاز. ومؤونة الأسبوع المقبل تكفّل بها التشكيلي زمان جاسم.. ويبدو أن «الفعالية» الشعبية التلقائية سوف تستمرّ صباح كلّ سبت لتجمع الناس حول جزء من «الهوية» المحلية. وقد تتبدّل وجبة الشتاء إذا مال الجو إلى الدفء، لتتناوب وجبات أخرى على قائمة الطعام القطيفي في صباحات السبت. سعيد الخباز قال ل «الشرق» إن الفكرة مفتوحة لإعادة الناس إلى مطبخ جدّاتهم، هناك «الساقو، البلاليط، اللقيمات، الممروس، المنفورة، العفُّوسة.. وغيرها». ولكن آل بريه مشغولٌ، حالياً، بتأسيس الفكرة وترسيخها، وعدد الناس الذين حضروا أمس مشجعٌ جداً على حد قوله ليواصل جمع الناس تلقائياً ويطوّر من الفكرة لجعلها حدثاً أسبوعياً شعبياً عفوياً. يقول آل بريه إن الفكرة بدأت من الفيسبوك، فقد دأب على وضع صور وجبات شعبية يعدّها، وكانت العصيدة أكثر الأطباق تفضيلاً لدى أصدقائه. ثم أخذ يتلقى طلبات.. ثم وجد نفسه محرجاً بقائمة طلبات كثيرة، لا يمكن تلبيتها في مدة قصيرة. هنا كما يقول وُلدت فكرة التجمع في الإجازة الأسبوعية، ولم يعد ملزماً بالوفاء بوعده لمن «اشتهوا» عصيدته. المكان مفتوح، والدعوة عامة، والطعام مجاني.