ربما لا تنتشر المسيرات الأسبوعية التي تنظمها حركة «أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب» الألمانية المناهضة للإسلام خارج حدود مدينة درسدن التي عَرفَت انطلاقتها، غير أن الرسالة التي تبثها لها أثر عميق على الأحزاب والحياة السياسية في ألمانيا. ويترك مشهد التظاهرات الأسبوعية للحركة التي تُعرَف أيضاً باسم «بيجيدا» انطباعاً قوياً، إذ يلوِّح 25 ألف شخص بالأعلام الألمانية في الظلام وهم يهتفون بهتافات تعود إلى حقبتي النازية وما قبل سقوط سور برلين من بينها «صحافة كاذبة» و «نحن الشعب». وارتفعت أعداد المشاركين في مسيرة هذا الأسبوع إلى مستوى قياسي؛ إذ شجعهم الهجوم الذي شنه متشددان على صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية. ويعتقد لوتز باخمان (41 عاماً) الذي شارك في تأسيس «بيجيدا» قبل 3 أشهر أن «الحركة تمثل الأغلبية الصامتة ولها إمكانيات هائلة في مختلف أنحاء ألمانيا وأوروبا». ويقول باخمان، الذي أدين سابقاً بالسرقة، إن «ما خفي كان أعظم». وينفي زعماء الحركة أنهم عنصريون ويقولون إنهم حريصون على التمييز بين المتشددين ومسلمي ألمانيا البالغ عددهم 4 ملايين نسمة، إلا أن شعارات مثل «لا للشريعة» و «في 2035 سيكون الألمان أغلبية» تكشف عن عداءٍ للأجانب. وفي المسيرة التي نُظِّمَت الإثنين الماضي، دعا باخمان السياسيين إلى إرغام الوافدين على الاندماج في المجتمع. ومن الحركة نفسها، قالت إحدى المؤسسات كاترين أورتل «أهلاً بكل دين في ألمانيا، لكن لا يمكنك أن تحاول التأثير على الثقافة والحياة الألمانية». وتبدو الحركة عنصرية بجلاء في نظر 35 ألف شخص شاركوا في احتجاج نظمته الحكومة لمناهضة «بيجيدا» يوم السبت الماضي في درسدن وحوالي 100 ألف في مختلف أنحاء ألمانيا بعدها بيومين. ويقول مايكل ناتكه من المكتب الثقافي في درسدن «هم يستخدمون الخوف من الإسلام لنقل الغلو في الوطنية والعنصرية إلى الشارع». وعلى المستوى الرسمي، نددت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بالحركة ووصمتها بالعنصرية مشيرةً إلى «كراهية كامنة في قلوب قادتها» وهي عبارات قوية لم تعتد المستشارة على استخدامها. لكن يمكن رصد انقسامات بين أنصار ميركل من المحافظين بشأن كيفية معالجة الهجرة المتنامية، ونتيجةً لذلك حقق حزب احتجاجي جديد هو حزب «البديل لألمانيا» مكاسب على الأرض. خصوصية درسدن وتدين «بيجيدا» بجانب كبير من نجاحها لخصوصية درسدن التي دمرها الحلفاء في عام 1945 وأعيد بناؤها وترميمها فيما بعد بجهود شاقة. ويشير أستاذ السياسة في الجامعة التقنية في درسدن، مارك إرنهوفل، إلى المدينة باعتبارها أقل تنوعاً في الأجناس من المدن الأخرى. ويلاحظ إرنهوفل أن «مشاعر الخوف من الأجانب فيها أكثر من بعض المدن الأخرى ولذلك فإمكانية التعبئة وحشد التأييد كبيرة». وفي العهد الشيوعي، كانت درسدن تُعرَف باسم «وادي الجهلة» لأنها لم تكن تلتقط بث وسائل إعلام الغرب. وتشهد المدينة تقليداً سنوياً تُنظَّم فيه بعضٌ من أكبر مسيرات النازيين الجدد في أوروبا في ال 13 من فبراير لإحياء ذكرى قصفها خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من الحرب العالمية الثانية. ويقدِّر ناتكه أن حوالي 2000 من النازيين الجدد ومشجعي كرة القدم اليمينيين المتعصبين يشاركون في مسيرات حركة «بيجيدا» إلى جانب المحافظين العاديين. ولا ينوي لوتز باخمان منع أي من النازيين الجدد من المشاركة في المسيرات. ويقول «لا أحد مكتوب على جبهته (أنا نازي) أو (أنا مشجع كروي متعصب)، هذا اجتماع عام وبصفتي المنظم لا أملك السلطة لمنع الناس». وقالت لافتة رفعها جورج شولتز وهو من سكان درسدن «لست نازياً، لكن كل من يتمتع بضيافتنا عليه أن يندمج ويحترم ثقافتنا». ويغذي الخوف من الأجانب أيضاً انخفاض عدد الوافدين في المدينة وانخفاض عدد سكانها من المسلمين نسبياً. وأظهر استطلاع للرأي أُجرِيَ الأسبوع الماضي أن نحو 70 % من الألمان غير المسلمين في ساكسونيا يشعرون بالخطر من المسلمين. وكانت الزيادة الحادة في عدد الوافدين وطالبي اللجوء سبباً في نقاشٍ عام في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، حتى أن بعض الساسة طالبوا بتشديد قواعد الهجرة إلى بلادهم. ورغم أن قوانين اللجوء في ألمانيا من بين أكثر القوانين تحرراً في العالم الغربي، إلا أن ألمانيا لم تصبح قط بوتقة تنصهر فيها الثقافات بالمعنى الحقيقي للكلمة. دعم «البديل لألمانيا» ويرفض زعماء «بيجيدا»، الذين كانوا في الماضي يصوِّتون لصالح الحزب الديمقراطي الحر المؤيد لقطاع الأعمال، تأييد أي حزب منفرد. ويقول باخمان «نحن فوق سياسة الأحزاب، مع ذلك لدينا أرضية مشتركة مع كل حزب حتى الخضر واليسار، لكننا نريد التأثير في جدول الأعمال السياسي». ومن بين المطالب التي هتف باخمان بها أمام جمهور المشاركين في المسيرة هذا الأسبوع قانون جديد للهجرة يقوم على نظام نقاط حسب مهارات الناس ويفرض على الوافدين التزاماً بالاندماج. ويتنبأ المحللون بأن قوى أعضاء الحركة ستخور، فمن يشاركون في مظاهراتها في المدن الألمانية الأخرى بضع مئات. غير أن «بيجيدا» كشفت عن انقسامات عميقة بين المحافظين الذين تتزعمهم ميركل «زعيمة الاتحاد الديمقراطي المسيحي» وبعض من ينادون بقوانين هجرة جديدة أكثر تقييداً وآخرين يتهمون المستشارة بتعزيز وضع حزب «البديل لألمانيا» من خلال تجاهل الجناح اليميني في حزبها. وقال كثيرون من المشاركين في مسيرات درسدن إن حزب «البديل لألمانيا» يغريهم؛ إذ إن بعض قادته التقوا مع زعماء «بيجيدا» وبدأوا يعملون على استمالة الناخبين بتبني نفس خطاب الحركة فيما يتعلق بالهجرة. وفي خطوة تهدف إلى استمالة أنصار «بيجيدا»، أعلن زعيم الحزب، بيرند لوك، أن «الإسلام غريب على ألمانيا». ومع ذلك، لا يزال تأثير «بيجيدا» محدوداً. غير أن باخمان وأورتل لا يستسلمان، وهما يبدوان في زهو لأن مسيرة نظمتها الحركة الأسبوع الماضي في أوسلو جذبت 200 مشارك رغم أن مسيرة مناوئة جذبت 900 متظاهر. وتنوي «بيجيدا» الشهر المقبل تنظيم مسيرة في سويسرا.