تنص المادة الثانية عشرة من نظام الحكم الأساسي في المملكة العربية السعودية على: (تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام). تعتبر الوحدة الوطنية من ضروريات العيش المشترك، فبها تسير سفينة البلاد قدماً وتنجو من الغرق، فلابد لمن يقطن أي دولة باختلاف خلفيته الدينية والعرقية والاثنية أن يأمن على دينه ونفسه و ماله وعرضه، و أن تكون مواطنته سواسية كأسنان المشِط تحت طائلة القانون. فها هي مادة صريحة واضحة تصدح بأن من واجب الدولة الحفاظ على النسيج الوطني ومنع كل ما يدق إسفين الخلافات بين مكوناته، ولكن هذه المادة لا بد أن تفعل على أرض الواقع بسن قوانين وتشريعات تجرم بأشد العقوبات كل من تسوّل له نفسه أن يسيء لمن يشترك معه في الوطن بالتصريح أو التلميح ، ومن أي منبر سواءً كان خطابياً أو دعوياً أو إعلامياً. مع كثرة ما نسمع من القيادة حرصها على توحيد الصف ونبذ الفتن والقلاقل إلا أن قنوت الصلاة وخطب الجمعة تعج بالشتم تحت مسميات وتصنيفات لا تليق بعموم المسلمين وغيرها من الأوصاف التي تتعارض جملةً وتفصيلاً مع المادة الأساسية في نظام الحكم التي تصدرت هذا المقال. خاصة أن تلك الخطب والأدعية تستهدف الانتقاص من الآخرين والتقليل من شأنهم وإيغار الصدور عليهم، وهو تحريض مبطن قد يتخذه بعضهم تأصيلاً شرعياً أو فتوى شرعية تحثه على تصفية كل من يختلف معه. فعند كل فتنة تقع في العالم الإسلامي يبدأ مسلسل السباب ضد الآخر في النسيج الوطني ودائماً يؤاخذ الآخر بجريرة غيرهم سواءً اتفقوا معهم أم اختلفوا، فيكفي لأي من أتباع أي مذهب ولو كان شخصاً واحداً أن يخطئ ليحمل الملايين من أبناء مذهبه في مشارق الأرض ومغاربها وزره، وتلك قسمة ضيزى مخالفة لتعاليم الشريعة السمحة حيث قال عز وجل :(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)، وكأن هذا الشخص ومن هم على شاكلته لا بد لهم أن يعلقوا لافتة يثبتون بها أنهم ينتمون إلى هذه الأرض الطاهرة المباركة آناء الليل وأطراف النهار ونسوا أو تناسوا أن حب الوطن فطرة غريزية أودعها الله في قلب كل إنسان. بعض الصحف الإلكترونية على سبيل المثال سباقة إلى بث سموم الكراهية وتمزيق أوصال الوطن، فهي لا تكتفي بنشر الأخبار و التقارير المسيئة بل تترك المجال رحباً لمتابعيها للتعليق بأساليب غير لائقة وكلها تساهم في إشعال شرارة الفتنة، التي إن اندلعت فلن تستثني أحداً، والأغرب من ذلك أن بعضاً من تلك الصحف مصرحة رسمياً من قبل وزارة الثقافة والإعلام، ولعمري فإن حادثة الدالوة الأليمة ناقوس خطر مدوٍّ ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد، وكل من موقعه، خاصة في ظل المؤتمر الصحفي الذي عقده أمس الأول المتحدث الرسمي بوزارة الداخلية اللواء منصور التركي، وما كشفه خلاله من معلومات خطيرة. فالمأمول هو الإسراع في سن العقوبات الرادعة بلا تسويف ولا مماطلة فالإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه ) يقول : (من أمن العقوبة أساء الأدب)، فنحن نعيش في مرحلة غاية الحساسية فالحروب الأهلية الطاحنة تأكل الدول العربية الواحدة تلو الأخرى، وهناك من يقتات على الفتنة الطائفية ويعتاش بها ولا يتورع بأن يزج بخيرة شباب الوطن في حرب كافرة غير واضحة المعالم ويستحل فيها المسلمون دماء بعضهم بعضا، وتُنتهك فيها الأعراض، ويُباح فيها سلب الأموال، فلنحافظ على هذا الوطن المعطاء وعلى مقدراته وعلينا أن نمج كل من يسيء إلى شركائه في الوطن من قريب أو بعيد. ونناشد وزارة الإعلام كذلك تفعيل القرار الصادر بإغلاق قناة الفتنة وصوت الباطل التي ما فتئت تبث ما يسيء إلى كل من يختلف معها في أيديولوجيتها الإقصائية، فهي لا تتورع عن تكفير المختلفين معها من كل المشارب بل وتحرّض على تصدير فتاوى تحث على قتلهم بدم بارد، وإغلاق هذه القناة سيكون رسالة واضحة من وزارة الإعلام أنها جادة في محاربة التطرف الفكري.