تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على الشباب السعودي، كبير وجليّ لكل من يطّلع على مضامين الحسابات الشخصية، والتي في جملتها تعكس توجهات وأفكار أصحابها، ناهيك عن الحسابات الوهمية التي تحمل مسميات دعوية أو إصلاحية، لكن فعلها الحقيقي هو التفرقة وإشاعة الفتن، وهذا بلا شك منافٍ للإصلاح الديني والوطني، الذي هو مُنى كل مواطن شريف. تويتر تحديداً، كشف الستار عما يخبئه الواقع المرير، من جهل بقّيم الإسلام المتسامحة، التي قدمها سيد البشرية عليه الصلاة والسلام تجاه أبناء الدين الواحد كالمهاجرين والأنصار، ومع الديانات الأخرى كاليهودية والنصرانية. المستوى الذي صعُب على كثير من الشباب استيعابه، حتى شاعت ظاهرة فتح ملفات الاختلافات التاريخية والدينية، الصحيح منها والمغلوط، وإهدار الوقت والجهد الذهني في إدارة حوارات لا منتهية في قضايا مندثرة، لا تفيد إلا التشكيك والشحن الطائفي السلبي. الجهل والاستغلالية التي تتوغل في نفوس بعضهم، تدفعهم لإثارة الخلاف ليس فقط بين المذاهب المختلفة، بل حتى في المذهب الواحد، وكان الأجدر أن يتم التركيز على مواطن الاتفاق، لأن الاختلاف سنة في الأرض لقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا * إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ * إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير﴾. وكنتيجة طبيعية، لسجالات الشحن والتأجيج الطائفي، تبدأ مرحلة القذف بالعبارات غير اللائقة بالمسلم، كأن تقرأ تغريدة تتضمن «العملية الاستشهادية موجهة لأحد المذاهب، وهناك فتوى شرعية تجيز ذلك»، وهنا تظهر أخرى تقول إن هناك من يُفتي بجواز القتل بين الجماعات المسلمة، لكونها تتبع مذهباً مختلفاً، وهذا خطرٌ كبير على المسلمين. ثم تقرأ أخرى، تنص على أن أتباع ذلك المذهب هم كفار بإجماع أهل العلم، وقتلهم وقتالهم ليس مبدأ فكرياً بل واجب ديني وأخلاقي»، وهذا تصريح واضح بتكفير أبناء مذهبٍ إسلاميٍ معروف، وشحن المجتمع المسلم بنار الطائفية الفتاكة، عبر التأكيد على واجب قتلهم، واعتباره واجباً دينياً وأخلاقياً، فكيف يكون دين محمد عليه الصلاة والسلام ديناً للإقصاء والتكفير والقتل! من جهة أخرى، هذا قولٌ يُخالف المادة (12) من النظام الأساسي للحكم، التي تنص على «تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام». لا أعزو التربية على التسامح واحترام الآخر ومناهضة التمييز، حكراً على المتعلمين وحاملي الشهادات، فقد أثبت الواقع أنها وليدة للإنسانية والوعي بالإسلام الحقيقي، لذا قد تجدها لدى شرائح لم تتعلم، بينما بعض من المتعلمين ومُتقني التكنولوجيا مازالوا يفتقدونها. إدراك المسؤولية الأخلاقية في استخدام برامج التواصل الاجتماعي، بالابتعاد عن مسببات الفتن بين المسلمين، من أنبل القيم الإسلامية، لكنها مع الأسف، لم تنعكس على جميع التعاملات الجدية مع الآخر. ما يتطلب ضبطاً وتوجيهاً، لن يتحقق إلا بقانون يُجرّم مثيري الفتن بين المسلمين، ليجتمع كافة أبناء الشعب عزةً للدين وقوةً للوطن.