الكلمات غالباً ما تكون قاطعةً، كحدِّ السيف، قاتلة وإن كانت ملساء ناعمة، بيضاء مصقولة، يغلفها وهجٌ مصطنع، ودفء مشاعر مزيفة!.. كلمات ربما يحق بها القول إنها «ليست كالكلمات» يفوح منها البخور، ويُشْتَمُّ منها رذاذ العطر، لكنها لا تقترب من قلوبنا، ولا تلامس مشاعرنا، ولا تستدعي الذكريات الساهية في دواخلنا!. بعضها كما «القرنفلة» الحمراء، أو الياسمينة البيضاء، تغري الفضوليين بتلمسها، أو الانحناء وتقبيلها، وربما ارتكاب حماقة قطفها، وتشويه جمالها، والإسراع في إنهاء حياتها، ومع كل هذا الجمال الباذخ، نظل نحتار في نبل مراميها، وصدق نياتها!. في علاقاتنا الإنسانية، المتشابكة والمتقاطعة، هناك كثير من الجسور التي نستطيع أن نبني عليها في الحد الأدنى ممرات آمنة، غير قابلة للنسف بمدافع وصواريخ وقنابل الهمز واللمز والشحناء والغيرة غير المبررة، بأحرف كلمات مبعثرة، وغاياتها محيرة!. نحن – بالمناسبة – لا ننزعج من الغيرة، بل يزعجنا «حب» أعمى أو طائش، حبٌ مندفع أو متفلت من عقاله، يصرُّ البعض على أن يحوله إلى «حرب»، فيزيد فيه وعليه، فيشوه جمال «حائه» و«بائه»، فيفقده أناقته ورونقه، وعنفوان «قرنفله» ورذاذ عطر «ياسمينه»، ليجعل منه، «شوكة» صحراوية لا تظمأ، ولا تحن إلى قطرة ندى، ولا تخشى لهيب شمس حارقة!. هكذا، هم البعض، يحبون بجنون، ويغارون بجنون، ويكرهون بجنون، وينتحرون أيضاً بجنون. الحياة بالنسبة إليهم ساحة «حرب» لا ساحة «حب»، تخونهم كلماتهم، كما تخونهم مشاعرهم، ويسقطون في الاختبار الأول، كما يسقطون في الاختبار الألف. استنفذوا فرصهم، ولايزالون يطرقون الباب، وهم يقرعون طبول «الحرب»، بدلاً من حملهم ورود «الحب»!. لماذا يعجز البعض عن إدراك الفرق بين «الحب» و«الحرب». لماذا يعجز البعض عن قراءة لغة الورد، ولا يعجز عن قرع طبول الحرب. هل نرتكب خطيئة عندما نشعر الآخرين بأننا نحتاج إلى «ميناء سلام». هل إفشاء الحب يشبه إعلان حالة الحرب، وهل لا بدّ هنا من قاتل ومقتول؟!. أسئلة كثيرة، موجعة، حائرة، وكلمات تائهة، ومشاعر تتلقفها الرياح، وصوت «صدى» يترنح بين جبال وتلال، كلها تقول: ليكن ما بيننا «حباً» لا «حرباً»، ولنرسو جميعاً في «ميناء سلام»، لنتهادى ورداً وعشقاً، ولنلقي من أيدينا رصاصات الغدر والتخوين. بالمناسبة، هل فاتني القول: إن الكلمات تستلهم موسيقاها وإيقاعها من مخدع «حواء» وعطر «أنوثتها». وأنها تحب وتكره، تحزن وتفرح، تشتاق وتكابر، تغار وتنكر غيرتها، تحزن وتخفي حزنها، تنطوي على ذاتها لئلا تجرح غيرها، تضحك بجنون وهي تتألم؟!.