في تاريخنا الاجتماعي كانت سلطة المجتمع قوة خارقة تسيطر على الأفراد، انطلاقاً من ثقافة تعظّم فكرة الجماعة دينياً واجتماعياً، ما جعل بعض السلطات الأخرى تفوّض سلطة المجتمع ببعض مهامها، لضبط الأمور، وحفظ السلم الاجتماعي، والتصدي للتغيرات التي لا تتماشى مع توجهاتها! كان كثير من القرارات والاستراتيجيات تمرر عبر بوابة سلطة المجتمع بمصادقة من شيخ القبيلة وشيخ الدين ومن يقوم مقامهما، وكان هذا كفيلاً بفرضها على الممانعين، خاصة الأجيال الناشئة التي تبحث عن التجديد أكثر من أسلافها. كان هذا الأمر طبيعياً بالنظر إلى بناء المجتمع، ومحدودية نظرة الفرد وتطلعاته، وهشاشة كيانه الذائب في الجماعة حد الاستلاب، لكن التطوّر الطبيعي، ومدّ التمدن، والانفتاح على الثقافات الأخرى، قوّى الفرد وفتت القوى المطلقة من حوله، ما أدخله في حالة صراع معها، بين إرث ثقافي ضارب في القدم والتأثير، وواقع مختلف تماماً. نحن اليوم في مرحلة انتقالية في التحوّل من الجمعية إلى الفردانية، لذلك سيكون من العبث الاستمرار في التعويل على سلطة المجتمع للتأثير في الفرد، الذي دخل معها في حالة صدام، بدليل أنه ما إن يتحرر منها حتى يخرج كل مكبوتاته وسخطه ونقمته، ولكم أن تتأملوا نتاج الأسماء المستعارة في مواقع التواصل الاجتماعي لتتوصلوا لهذه الحقيقة! الرهان الوحيد الرابح على السلطة الداخلية للفرد، التي تبتغي الاستقلالية، واحترام كيانها، وحقها في التعبير عن نفسها، فمنحها المساحة الكافية سيجعلها أكثر مسؤولية وعقلانية، والتضييق عليها سيبقيها في دوامة الصراع، وستستهلك نفسها في التنفيس وتلويث فضاءات التعبير بالمكبوتات الصدئة! تغريدة: لو ضغطت نحلة بين أصبعيك حتى الموت لن تجد منها إلا أسوأ ما فيها، بينما لو منحتها فرصة التحليق ستمنحك أطيب العسل!