تنقل لنا اليوم مباحث الأعصاب الحديثة وفسيولوجيا الأعصاب التي دشنها كل من (جون إكلس JOHN ECCLES) و (شارلز شرنغتون CHARLES SHERRINGTON) وخرج بعدها جراح الأعصاب (وايلدر بنفيلد WILDER PENFIELD) بكتابه (لغز الدماغ THE MYSTERY OF MIND) في دراسات ميدانية على أدمغة ما يربو على ألف مريض في حالة الوعي، مما جعل جهده الفلكي ينقل لنا التفصيلات الدقيقة عن جغرافية (قشرة كوكب الدماغ) بكل قاراته ومحطاته الإدراكية من السمع والبصر والتذكر والحس والتنفس والحركة. الشيء الوحيد الذي استعصى عليه أن يجده فضاع في التيه هو مركز الوعي والإرادة، مما جعله يصل إلى نتيجة عكست أفكاره في كلمات معبرة، أن الغرض الذي بدأ فيه رحلته العلمية التي استغرقت نصف قرن وصلت إلى عكس نتائجها، وهذا يعني بكلمة ثانية، أن الدماغ المادي الذي يفنى مع التراب لا يعني بالضرورة فناء الروح واندثار الشخصية. وأنصح قرائي في هذا الصدد بقراءة كتاب (العلم في منظوره الجديد) وهو من كتب سلسلة عالم المعرفة الكويتية، وقد كتبه اثنان من فلاسفة العلم هما روبرت آوغروس وجون ستانسيو وترجمه خلايلي. لقد قرأته أنا شخصياً ربما 20 مرة وما زلت أحن لقراءته من جديد. وفي هذه النقطة أنصح قرائي أن يعيدوا قراءة الكتاب الجيد أكثر من مرة حتى يتم ترسيخه في الوعي ويتحول إلى أحد مكونات الثقافة في دماغ القارئ. وفي هذا المجال يمكن فهم سر المعمِّرين؛ فحديث الفيزياء والعقل والدراسات النفسية والحضارية والفلسفة، كلها تصب في قناة واحدة تدشن مبدأ الصيرورة والتغير في العالم الذي نعيشه، واليوم نفهم بعض أسرار البيولوجيا من خلال كشوفات علمية جديدة في الأنثروبولوجيا والطب والجغرافيا والجنس والبرمجة الجينية والنظام الغذائي والاستقلاب وعدد دقات القلب. من المعروف الآن أن الإناث يعشن في المتوسط أكثر من الذكور ب 7 إلى 8 سنوات ويتفوقن بالنطق، وإثارة مواضيع للبحث، وميلهن أكثر للطاعة، وعدم اعتماد العنف والروح التعاونية، وأن المرأة كانت التي بدأت رحلة الثورة الزراعية في التاريخ. وعرف من خلال الدراسات الأنثروبولوجية أن هناك 3 مناطق في العالم يعمر فيها الناس كثيراً هي (فيلكا بامبا) في الإكوادور، والهونزا في باكستان، ومرتفعات القوقاز (جورجيا) كما عرف قانون متناقض في علاقة الطعام بالعمر؛ فمن يأكل كثيراً لا يعمر طويلاً، وطول العمر مرتبط بقلة الكالوري المتناول، كما عرف أن حياة الكائنات مرتبطة بالاستقلاب العام وضربات القلب؛ فالله منح الكائنات عدداً محدوداً من ضربات القلب يصل إلى المليار في متوسط العمر؛ يستهلكه الكائن كما يحلو له، ويحدد أجله مع نفاد الاستهلاك، وهكذا فالفأر والأرنب تضرب قلوبهم 350 إلى 500 ضربة في الدقيقة؛ فيعيشون سنوات قليلة، ويعيش الكلب 18 سنة والشيمبانزي 35 سنة، والحصان 40 سنة، ويشكل الإنسان استثناءً لهذا القانون بقانون آخر نوعي؛ فكافأه الله بقريب من 4 أضعاف المدة المفروض أن يعيش خلالها، فلو عاش الفرد وعمَّر 105 سنوات؛ فإن قلبه يضرب 3.5 مليار ضربة في المتوسط. واليوم يكتشف الطب حقيقة مزلزلة حينما عثر على قدر (جيني) حيث برمجت حياتنا بشكل محدد من خلال انقسام خلوي محدد ولكل أجل كتاب، هي في المتوسط 50 إلى 70 انقساماً مثل (دقات الساعة) والمنبه، فإذا انقضت واختتمت الانقسامات رن المنبه (الجيني) على قدر النهاية، بفرق أننا نستيقظ هنا على صدمة الموت؟!