كان المستشفى مُزدحما وعبقُ المطهرات يملئُ الأنفاس، يتردد فيه الأطباء والممرضون،وكراسي الانتظار لا تكفي للعدد المهول الذي ملئ المكان! رجلٌ يدلُفُ مُرتبِكاً ممسِكاً بامرأة حُبلى على وشك الوضع، يسألُ فتجيبه إشارات الأيدي، وإيماءات الوجوه التي اعتادت على مِثِلِ هذه الحالات. ورضيعة تشكو من ضيق في التنفس يحملُها والدها وبصوتٍ جهوري يسأل عن غرفة الإنعاش الرئوي. وتجلِسُ امرأة شبه مضطجعة تعصِبُ رأسها فقدت السيطرة على ألمِها. وهناك من يمشي على غير هدىً ضارِباً كفاً بكف. الوجوه شاحِبة وزهرات الأمل تذبل مع طبيب لا يقول إلا الحقيقة مهما كلفه ذلك! الصراخ والعويل، البكاء والأنينُ، الإغماءاتُ المفاجئة والضجيجُ في جنبات هذه الأمكنة، حتى ليخيل إلى الداخل أنه في دُنياً غير الدنيا التي يعيشُها الناسُ في الخارج! هل هي مشافٍ أم أماكن يتكاثرُ فيها الألم؟ كدتُ أرتطم ببوابة المستشفى الزجاجية وأنا أتأمل انعكاس صورتي هل هذه أنا؟.. لماذا يبدو شكلي هكذا؟ وكأنني هرمتُ فجأة وارتخت عظامي! خرجتُ أجرُ خُطاي فإذا بطابور من الناس تحت أشعة الشمس الحارقة، يبست عظامهم وأكبادهم من شدة العطش ومن طول الوقوف هنا ؛ ينتظرون حافلة تعبر الطريق فهم لا يملكون أجرة تكفيهم للوصول إلى بيوتهم؛ فيعمدون إلى ركوبها رغم اهتراء مقاعدها، وازدحام ركابها، غادرتُهُم لكن عيوني لا زالت متشبثة بهم وترمُقُهم من بعيد. يبدو أن الزحام شديدٌ ولن يتمكن السائقُ من إكمال طريقه بسهولة. حادثٌ مروري يُربكُ السير، وجسدٌ ممدد على الأرض لشاب ينازع الموت، والجميع بانتظار سيارة إسعاف !ولكن كيف ستعبر وهذه الجموع تُحِيطُ بالسيارة وتُعيقُ وصولها..! أكملنا طريقنا إلى البيت والساعات تبدو ثقيلة، ذهبتُ إلى حجرتي وفوق الأريكة حاولتُ أن أُغمض عيني لكن النوم جفاني!. إننا في كل يوم ننتظر قادماً ونشيع غائباً، ننتظر فُرَصاً تأتينا وأُخرى نضيعها بأيدينا، طوابير الانتظار ملأت الشوارع والبيوت، وانتظار الفرج غصت به الحناجر وفاضت منه العيون، البعض أدرك أنها لحظة ستأتي وآخرون لازالوا ينتظرون! أتساءل: هل هذه الحياة التي نعيشها أصبحت لحظة انتظار!!