تأتي مرحلة منتصف العمر والتي يقف فيها الزوجان موقفا عجيبا وكأن غبار الطفولة والشباب قد أزيل عن العيون وقويت فيها الأبصار وقد لا يرى الزوجان غير مشوار الكفاح المر الذي يحتل الذاكرة ويخفي خلفه الحلو من الذكريات لتظهر منطقة داكنة تُظلم ما كان يملؤه ضوء المشاركة والحب في حياتهما. ويبدؤون يشعرون بحرمان عاطفي في هذه الفترة من حياتهما وينتظر كل منهما أن يبدأ الطرف الآخر بالمبادرة، وغالباً ما يقف الكبرياء عائقاً أمامهما مما يعرض حياتهما الزوجية إلى الإنهيار، متجاهلين باقي أفراد الأسرة ومكانتهم في هذا الصرح العظيم الذي قد يؤثر على الجميع بالصدمات والمفاجآت السلبية والنهايات الحزينة. قد يغلب على الزوج التهور وقد يعمي الزوجة الرغبة في الانتقام، أو يأتي التكابر في خريف العمر ليفسد ما تبقى من مشوار الحياة الأسرية، أو قد يمران بلوثة مراهقة متأخرة تزيد من حدتها قنوات الإفساد العالمية، فلا يرون غير أنواع الرجال المتصابين والنساء المتنكرات خلف عمليات التجميل بأنواعها، متناسيان ما يمر به الإنسان من تطورات الشيخوخة الإجبارية والتي تأخذهما تدريجياً للواقع الذي لا مفر منه لتثبت للإنسان ضعفه الذي خلقه الله عليه من بعد قوة. على الرجل وعلى المرأة أن يفهما ويستوعبا بأن الإنسان يصبح أكثر حساسية واحتياجاً للكلمة الطيبة التي ترويهما وتشبعهما أكثر من الطعام الذي يشبع البطون فالقليل منه يكفي، أما الكلمة الطيبة فتثمر دائماً وقد وصفها الله تعالى في سورة إبراهيم في كتابه العزيز قائلاً :" أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)" صدق الله العظيم. وعلى الزوجين أن يفهم كل منهما الآخر وقيمة الكلمة الطيبة وفعلها السحري في النفوس وقدر الأمان الذي يجدوه وهما بجانب بعضهما البعض فهما شركاء في مشوار الحياة الطويل وما مروا به وما يعرفونه عن بعضهما البعض يحوجهما للبقاء سوياً حتى نهاية المشوار، وللمرأة دور أساسي في هذه الحياة وهي بر الأمان لزوجها ومهما صدر عنه من أخطاء فمن واجبها أن تحتويه وتستوعب كبر سنه، وكما يقال فالرجل عندما يكبر يصبح (طفلاً كبيراً) وهي نبع الحنان الذي ليس لهاغنى عنه. قرأت للشيخ على الطنطاوي رحمه الله كلمات قال فيها: لم أسمع زوجاً يقول أنه مستريح سعيد وإن كان في حقيقته سعيداً ومرتاحاً لأن الإنسان خلق كفوراً ولا يدرك حقائق النعم إلا بعد زوالها ولأنه رُكِّب من الطمع فلا يزال كلما أوتي نعمة يطمع في أكثر منها لذلك يشكو الأزواج أبداً نسائهم ولا يشكر أحدهم المرأة إلا إذا انقطع حبله منها وأمله فيها هنالك يذكر حسناتها ويعرف فضائلها. همسة: ليستعين الزوجين بتجارب حياتهما ليكونا قدوة لأبنائهما وأحفادهما. [email protected]