عندما يصنع الأب الراعي بيديه الاثنتين سياجاً منيعاً محكماً في وجه كل عريس إلى كل من أضاع وفرّط بالأمانة فهناك الكثير من البنات سجينات التعنت والقسوة والسطوة والقهر والجشع والطمع من أب لايرحم أو أخ غير مشفق. باتت هناء صاحبة الحظ التعيس وأمثالها متيقنة أن مصيرها هو العنوسة، هناء ذات الأربعين حولاً فلنتصور ماذا يفعل هذا الأب لو تقدم عريس للزواج والاقتران بابنته انه أب عبوس مقطب يصر بأسنانه نافخ الصدر نظراته الحانقة نحو العريس تكاد تقتله! وبدون مقدمات يقول عبارته المتكررة «ليس عندنا بنات للزواج». ضرب الأب بعصاه فوق الرخام النفيس تحولت نظراته نحو العريس ولسان حاله يقول «عجل بالرحيل انك ضيف ثقيل» ضاع العمر هباء يا هناء هذه الأبنة ذات الراتب الكبير غرقت في بحر الجشع والطمع طابور من العرسان يتقدمون ولكنهم يفشلون تبعثروا أمام ذلك السياج المنيع والعرين المهيب لم تهنأي يا هناء بفارس الأحلام ما عرفتيه إلا في المنام عندما تغوصين في بحر الأحلام فكأن هذا الأب وأمثاله يغمضون أعينهم في وجه سعادة بناتهم وأصبح مصير زواج أولئك الفتيات قراراً ممضياً بالرفض كيف يختلط الدم النقي بالفاسد والظلمة بالنور أي زمان جائر أي قلب جامد هذا القلب لطالما فكرت هذه الفتاة أنها ستبقى وحيدة في هذه الدنيا العريضة بعد فقد الأب أو الأخ بلا سند بلا زوج بلا ولد هي بإمكانها الهرب إلى مكان بعيد يا للعار هل تفعل هذا ابنة العقيدة السمحاء هي إذاً حريصة على تعاليم دينها على بر والدها من أجل حفنة من الريالات هكذا يا والد هو من غذاها هو من رباها هو من كساها ولكن ليبتغ وجه الله فأي أب اعتنى بأبنة أو ابنتين أو ثلاثة أيمّا عناية فليس له جزاء إلا الجنة في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وقد رعى أمانته أين المفر ارحم قلباً منكسراً ينبض بالأحاسيس ويحلم بالدفء والسعادة والأسرة الكريمة أيها الأب فهذه الدنيا مليئة بالذئاب البشرية هنا وهناك، تذكر أيها الأب هذه الفتاة وهي تنظر إلى قريناتها الهانئات مع أزواجهن وأبنائهن فعندئذ أيها الأب ستضرب كفاً على كف ندماً وربما تتساءل أيها الأب لماذا لم تهرب هذه الفتاة وحفظتك وحفظت نفسها وهي ضعيفة أمام سطوتك لم تهرب، ولم ترتكب سوءاً وهي قد أصبحت شاحبة اللون مصفرة الوجه في عينيها حزن مدفون جسمها الهزيل بدا واضحاً اضرب بعصاك الآن الأرض ليس تكبراً مثل ما حصل في السابق ولكن ندماً يداك ترتجف صوتها الذي يناديك من أعلى الجبل من أعماق البحر من خلف الشجر يستغيث والدموع الحائزة تفر من عينيها حينها ستفيق من رقادك وبخطى ثقيلة تقدمت الابنة مشفقة نظر إليها ضمها إليه بشدة وأحاطها بذراعيه وصدره الرحب الكبير ورآها هشة مستسلمة وهو يقول وكل أطرافه تهدأ وتعلو وجهه ابتسامة عريضة أين العريس يا ابنتي؟! ردت الابنة الحائرة ولكنه هاجر يا أبي وانفجرت بالبكاء فلم تهنأ هناء.