في عالم الخراب العربي يظهر الشعراء ببطء سلحفاة، ويموتون بسرعة مثل فراشة ملونة، ولا أحد ينظر إليهم بشفقة أو حتى حياد أثناء حياتهم.. كلٌّ يلعنهم ويحاول أن يخلق منهم عالماً متكاملاً من الفضائل دون نزوات أو أخطاء، وحينما تتوه بهم الكلمات يجلدونهم دونما رحمة.. ينسون أو يتناسون أنهم بشر! قدر الشاعر العربي أن يشوهوه حياً، وأن يتوقفوا مع إرثه بعد الموت ويراجعوا أحكامهم الجارحة بربع عقل.. محمود درويش صلبوه حياً، وحينما مات عادوا إلى تجربته الشعرية فوجدوا أنه إنسان رائع ووطني جداً وأنه لم يخن القضية؛ نفس الأمر سيحصل ربما مع سميح القاسم وغيره، ولكن بعد أن يتأكدوا من موتهم!! في ثقافتنا المحاصرة بالتعاويذ والهمهمة يقول المبدأ المجنون إن كل شاعر هو مشروع مفترض لخائن وعميل ومنحط؛ لكن الأيام تثبت دائماً أن الشعراء لا يخونون بسهولة، أو على الأقل عدد خونتهم أقل من عددهم في التنظيمات والجماعات الخارجة عن السرب!! فلسطين شكلت عالمنا العربي وجمعته وقسمته وطرحته حتى استوى عارياً على طاولة تفاوض، ومشروع سلام غائم؛ نحن الآن نتخاصم على نصرة فلسطين كل بطريقته التي يرى أنها مناسبة، ونتبارى في تقديم النصائح دائماً لأهل فلسطين.. لكن المأساة التي تشاهدها على التلفزيون غير تلك التي يحدثك عنها أقاربك على الأرض ويتأذون منها يومياً.. لنحتفظ بنصائحنا لأنفسنا!! شعراء فلسطين هم الوحيدون القادرون على نصرة شعبهم بكلمات لها أثر، ويمكن أن تتحول إلى أغان قومية لا تنسى؛ كلماتهم كانت ولا تزال مؤثرة جداً لأنهم يكتبونها بإحساس الضحية وليس بإحساس المتضامن العابر أو المتاجر، وثمة فرق كبير.. رحل سميح القاسم منتصب القامة كأرضه التي لم تنكسر، برغم الوجع وقتامة الأيام.. أطفال فلسطين سيحملون العرش وسيحفظونه في كل عصر من السقوط والضياع ريثما يعود الحق إلى أصحابه.. لا توجد حكاية عربية تجمعنا وتثرينا غير حكاية فلسطين وشعرائها، وأطفالها العظام من دير ياسين إلى غزة.