تهاتف صديقاً، بعد غيبة، لتطمئن عليه وتتفقده فيستغرب حين تنتهي المحادثة دون طلب خدمة أو واسطة وكأن رائحة الصداقة تبخرت أو خنقتها روائح الاستنفاع، فلم تعد جزءا من النسيج الاجتماعي، بعد أن كانت أصله، ولم يعد انتهاكها محرجاً ومسيئا، بل إن المتمسك بها يندرج في قائمة السذج والمخدوعين والذين لا يعرفون طرائق أكل الكتف! أصدق الروائح الظاهرة هو الصابون، فهو تعبير عن النظافة يتناغم مع المظهر، وجانبها القاتم هو التعرق، أما العطور فهي حالة تمويه تتستر على على مناطق النتانة وتصبح حلاً كسولاً لأعداء النظافة يخفي رائحة الجسد ويضلل الاستشعار. الرائحة الفعلية للمرء يجب أن تكون مثل رائحة الصابون. وهي، جوهرياً، تكوين يشبه الحمض النووي؛ خاص ومتفرد لايمكن التعرف إليه إلا بالبحث والتحليل وهو ما يجعلها منطقة يصعب الوصول إليها فتقضي عمرك مع رفيق متوهما أنك تلتقط رائحة حقيقته بينما أنت رهين رائحة مخادعة سكبها على نفسه فجعلت منه، ظاهراً، شخصاً مغايراً إلى أن يجيء موقف ضرورة يفضح حمض رائحته ويكشف طبيعتها حين لا تستطيع الروائح المصطنعة الصمود أمامه. رائحة الأقارب ليست لقاءً وسلاماً بل هي أحاسيس رابطها اللحمة. ورائحة الأصدقاء ليست كلاماً وأنساً بل مواقف وتماسك. ورائحة الحب ليست عبارات رومانسية وباقات ورد لكنها التيارالشغوف الصادق الذي ينعشها ويحميها من الخيانة بدرجاتها وإن كانت مجرد استراق نظرة. من لا تعرف رائحته الفعلية فأنت تجهله وإن كان بك لصيقاً، والأسوأ أن ظهورها يقتلك بعد أن تم تخديرك زمناً.الحاجة هي في العودة إلى الرائحة الطبيعية الصرف فمن تآلف معها كان منها، ومن نفر منها كان ضدها وحينها يمكن التكهن مسبقاً بكل موقف صادم دون ألم ومرارة.