ضحية أخرى من ضحايا الأخطاء الطبية.. نورا ذات الثلاثين ربيعاً.. ذنبها أنها حرمت من الإنجاب ولم تجد علاجاً في المملكة، فاضطرت للسفر على حسابها للعلاج في الأردن.. بدأت فرحتها حين تم الحمل، لكن المثل القائل «يا فرحة ما تمت»، انطبق عليها، فقد أدخلت مستشفى القريات العام لألم فاجأها، لتفجع المنطقة الشمالية بأسرها بعد عدة أيام بخبر وفاتها.. مستشفى القريات العام نفى تقصير المستشفى وأكد سلامة الفحوصات في التقرير الذي أصدره بهذا الخصوص، لكنه ألقى باللائمة على الاستشاري المعالج للمتوفاة، وأنه المتهم الوحيد بالتقصير نظراً لأنه حضر لمعاينة المريضة متأخراً، بعد أن وافتها المنية. ملخص مؤلم، وحكاية لم تنتهِ فصولها بعد، لمريضة ليست هي الأولى، وقد لا تكون الأخيرة، ما دام هناك تراخٍ في محاسبة المقصرين.. هكذا يقول أقرباء المتوفاة.. وإذا كان أهالي القريات يتحدثون عن العجز الطبي في المحافظة، فالمستشفى العام لا يزال عاجزاً عن القيام بمهامه وتلبية احتياجات مراجعيه من المواطنين، فإنهم يخصصون معاناتهم في معضلتين؛ تتمثل الأولى في النقص الملحوظ في الكادر الطبي خاصة الاستشاريين منهم، إضافة إلى ضعف تمثيل الكوادر الوطنية، مما حدا بصحة القريات للاستعانة بالكادر الأجنبي، الذي شكل مجموعات متنافسة داخل المستشفى بحسب الجنسية وأبناء البلد الواحد، ويقول عنها بعض العاملين في المستشفى من السعوديين بأنها أخذت في التلاشي مع الإدارة الجديدة. أما المعضلة الثانية فتتمثل في عدم وجود أسرَّة كافية، وهذا أيضاً حدا بأهالي القريات وما حولها لتلقي العلاج في مستشفيات الأردن لقرب المسافة والفرق الملحوظ في تكاليف العلاج بين القطاع الصحي الخاص في المحافظة وفي الأردن. وفي هذا السياق يقول المواطن مدالله العنزي: «بات شائعاً لدينا في محافظات الشمال لجوء المواطنين السعوديين للعلاج في الخارج، خاصة الأردن، وذلك بسبب الازدحام الشديد على المستشفيات الموجودة وعجزها عن استقبال الناس، مما يترتب عليه فقدان للأرواح وتدهور في الحالات الصحية وطول في انتظار المواعيد في العيادات الخارجية وعدم وجود أسرَّة وكوادر صحية كافية، وبات العلاج في الأردن حلاً مناسباً نسبياً رغم صعوبته، فليس كل الأسر السعودية تستطيعه، مناشداً القطاع الصحي في محافظات الشمال الاهتمام أكثر بهذا القطاع الحيوي». أما نورا العنزي، فتبدأ حكايتها حين لجأت لإجراء طبي في أحد مستشفيات عمان في الأردن، بعد أن تغيرت حياتها فَرِحةً بحملها الأول لتعود في شهر رمضان الماضي وتلجأ للدخول إلى مستشفى القريات العام إثر اعتلال صحي ألمَّ بها، إلا أن تكرار مآسي بعض الأطباء وتقاعس مسؤولي الصحة عن إقصائهم مهما كانت مبرراتهم حرم هذه الفتاة فرحتها بل أودى بحياتها وحياة جنينها. توفيت المواطنة وهي في نهاية عقدها الثاني وجنينها أيضاً إثر خطأ طبي ونقص في المتابعة وتقصير في الرقابة والإشراف في مستشفى القريات العام بمحافظة القريات شمال المملكة، وذلك بحسب تقرير طبي صادر عن لجنة التحقيق في الحادثة، حصلت «الشرق» على نسخة منه. وكان نائب مدير المستشفى قد أمر بتشكيل لجنة تحقيق في ملابسات وفاة المواطنة نورا ضيف الله محمد العنزي 29 عاماً، وجنينها، ورأس اللجنة المدير الطبي في المستشفى، وشارك فيها كل من رئيس قسم الجراحة ورئيس قسم الباطنة ورئيس قسم النساء ورئيس قسم الأطفال ورئيس قسم الجودة ورئيس قسم سلامة المرضى والأخطار الطبية، وانتهى تقرير اللجنة النهائي إلى عدة نتائج وتوصيات، وجاءت نتائجها كما يلي: ورأت اللجنة أن سبب الوفاة هو إنتان شديد أدى إلى الوفاة بسبب التهاب جدار الرحم والغشاء الأمنيوسي، وأن سبب الإنتان الشديد غالباً هو ربط عنق الرحم الذي تم إجراؤه في مستشفى بعمان في الأردن. وخلصت اللجنة إلى أن هذا من قبيل الخطأ الطبي المهني حسب المادة 27 من نظام مزاولة المهن الصحية والصادر بالمرسوم الملكي رقم ( م / 59) وتاريخ 4/11/1426 ه ولائحته التنفيذية ببنديه: الأول «نقص في المتابعة»، والسابع «التقصير في الرقابة والإشراف». وأوصت اللجنة بما يلي: وكانت قد أدخلت المريضة مستشفى القريات العام بتاريخ 22/9/1435ه إثر معاناتها من انسياب في السائل الأمنيوسي مع وجود حمل في الشهر السادس «ستة وعشرون أسبوعاً»، وكانت قد أجرت عملية ربط لعنق الرحم قبل دخولها المستشفى بثلاثة أسابيع في أحد مستشفيات عمانبالأردن، ودخلت المريضة تحت إشراف استشاري نساء وتوليد أردني الجنسية «تحتفظ الشرق باسمه»، وبعد مباشرته للحالة أخبر المريضة «بحسب إفادته للجنة التحقيق والواردة في تقريرها النهائي» بأنه يتحتم عليها الموافقة على إزالة الربط من عنق الرحم نظراً لعدم وجود سائل أمنيوسي كافٍ حول الجنين، إلا أنها رفضت ووقَّعت على ذلك مما جعله يضع خطة للعلاج وذلك بوضع المريضة تحت المراقبة مع إجراء الفحوصات الروتينية وإعطائها مضادات حيوية عن طريق الفم كل ست ساعات، وجاء في إفادة الطبيب للجنة أيضاً بأنه تم إبلاغ أهلها في اليوم التالي للدخول بضرورة إنهاء الحمل بعملية قيصرية، إلا أن المريضة رفضت ذلك. وهذا ما نفاه شقيق المتوفاة سلطان ضيف الله العنزي الذي أكد ل «الشرق» أن المُوَقِّع هو شقيقه الأكبر في نفس يوم دخول المريضة المستشفى، وكان توقيعه بالموافقة على أي إجراء طبي من شأنه حفظ حياة المريضة وتحسن حالتها، إلا أن إهمال الطبيب الاستشاري وعدم اكتراثه بالحالة، إضافة إلى عدم استجابته لنداء الأطباء له أثناء اتصالهم به ورفضه الحضور، تسبب في تدهور حالتها ومن ثم وفاتها، ولم يحضر إلا أثناء الإنعاش القلبي عند وفاتها الساعة التاسعة والنصف مساء. وفي تفاصيل حزينة ليوم وفاة المريضة وفي يوم 25/9/1435 ه، تدهورت حالتها عند الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، وباشر الحالة طبيب اختصاصي آخر أردني الجنسية «تحتفظ الشرق باسمه» ولاحظ وجود ارتفاع في درجة الحرارة وتسارع في نبضات القلب، وكان تشخيصه أنه إنتان شديد، وقام بتغيير خطة العلاج وإعطاء محاليل وريدية والمضادات الحيوية اللازمة «ثلاثة أنواع». ويتابع العنزي رواية الحادثة قائلاً: قام الاختصاصي الأردني بإبلاغ الاستشاري المسؤول عن الحالة بذلك، وأبلغه أيضاً أن المريضة تعاني من التهاب حاد في المشيمة مع نزول السائل الأمنيوسي وأنه من الضروري إزالة الربط، فقال له الاستشاري بأنه لا يوجد موافقة على ذلك من المريضة أو أهلها، وأنه سوف يأتي في المساء، ثم ذهب الاختصاصي وشرح الحالة لزوج المريضة وأخذ إقراراً منه بالموافقة على إزالة الربط وذلك للخطورة المتوقعة على المريضة، ووضعت المريضة في غرفة الملاحظة وعينت ممرضة خاصة لمتابعتها، ثم سلم الاختصاصي الحالة لاختصاصي آخر مصري الجنسية «تحتفظ الشرق باسمه» في المناوبة التالية التي بدأت في 5.30 مساءً، وعند السادسة لاحظ الاختصاصي ارتفاعاً في درجة حرارة المريضة مع شكواها من آلام شديدة في البطن وازدياد في انقباضات الرحم، فقام بإبلاغ الاستشاري المسؤول وأخبره بضرورة إزالة ربط عنق الرحم، وبعد إزالة الربط عانت المريضة من آلام شديدة في البطن واتساع في عنق الرحم وضيق في التنفس وتسارع في النبض، وتم استدعاء طبيب الباطنية المناوب الذي عمل رسماً للقلب ووجد تسارعاً شديداً في النبض ونقلت المريضة لغرفة الولادة لإخراج الجنين، إلا أن القلب توقف عند الساعة 9.20 وقام طبيب التخدير بمحاولة الإنعاش القلبي، إلا أن المريضة قد لفظت أنفاسها الأخيرة، ليحضر بعد ذلك الاستشاري والطبيب المسؤول عن الحالة عند 9.30 مساءً بعد أن فارقت أختهم الحياة. من جهته، أكد شقيق المتوفاة سلطان العنزي ل «الشرق» أن الطبيب الاستشاري والمسؤول الأول عن وفاة شقيقته، كان لديه عدة أخطاء طبية وقضايا منظورة ضده في الهيئة الصحية الشرعية. وقال: إن مسؤولي صحة ومستشفى القريات خلال لقائه بهم أكدوا على عدم قناعتهم بالطبيب الاستشاري كطبيب وبأنه غير صالح للعمل، متسائلاً هل كانت شقيقته ضحية مقدمة للتخلص من هذا الطبيب؟ وهل تُرِك ليتورط في خطئه للتخلص منه ولم يوقف في الوقت المناسب؟ ويستدل العنزي على ذلك بما قالته شقيقته المتوفاة له قبل وفاتها بأنها سمعت حديث الاختصاصي للاستشاري حين قال له بأنها مصابة بالتهاب، وحينما سألت الاستشاري عن ذلك أجابها بأن تتجاهل ما سمعته مدعياً عدم فهم الاختصاصي. ويقول العنزي: هذا دليل على أن الاختصاصي الأردني والاختصاصي المصري على علم بحالة شقيقته الصحية وقد تركاها تلقى حتفها لتوريط الاستشاري، حيث ادَّعيا أنه صاحب الصلاحية لاتخاذ القرارات الطبية، وتساءل عن شرف المهنة محملاً إياهما كامل المسؤولية وليس الطبيب الاستشاري فقط. كما أكد العنزي أن شقيق المتوفاة الأكبر قد قام بالتوقيع بالموافقة على أي إجراء طبي يراه الطبيب مناسباً عند دخول المريضة المستشفى، وكل ادعاءات الأطباء التي وردت في تقرير لجنة التحقيق بأن سبب امتناعهم عن تقديم الإجراء الطبي الصحيح، هو رفض المريضة وذويها، كانت ادعاءات كاذبة وغير صحيحة بدليل توقيع شقيقه المسبق عند الدخول. وطالت اتهامات العنزي أيضاً المدير الطبي في مستشفى القريات العام وهو رئيس اللجنة المكلفة بالتحقيق في الحادثة، بمحاولة التغطية على الطبيب الاستشاري المسؤول لأنه من بني جلدته، إلا أنه حال دون ذلك تدخُّل بعض الأطباء وشهاداتهم، خاصة طبيبة سعودية «تحتفظ الشرق باسمها» شاركت في اللجنة، حيث أجبرت شهادتها المدير الطبي على إدانة الاستشاري المسؤول عن الحالة وإحالته إلى الهيئة الصحية الشرعية لإعادة تقييمه ومحاسبته. وطالب العنزي الشؤون الصحية في القريات بتصحيح وضع مستشفى القريات العام الذي وصفه بأنه متروك لبعض الأطباء من جنسيات عربية غير سعودية يعملون بإهمال شديد ويقومون بالتغطية على أخطائهم. وكانت أسرة المتوفاة قد توجهت للجهات المسؤولة والقضاء لرفع دعوى قضائية يطالبون فيها بمحاكمة الطبيب الاستشاري وزميليه. من جهة أخرى، قال المحامي الموكل بالقضية عبدالكريم القاضي ل «الشرق» معلقاً على القضية: «فيما يتعلق بقضايا الأخطاء الطبية، فإن شأن التقاضي فيها ذو شقين، فيما يخص الجزاء والتأديب للمتسبّب المفرط والمباشر غير المختص الذي يندرج الاتهام ضده بالتلاعب في أرواح الناس وما يستحق التصنيف ضده بالقتل العمد لخلو المعالجة الطبية من الاجتهاد الطبي المعذور به الطبيب، وإنما كان الواقع في هذه الحالة إهمالاً استحق تعمده للعلاج اتهامه بالقتل العمد لكونه غير مؤهل للاختصاص والحالة ويرتبط في ذلك الحق الخاص والحقٍ العام، وإلى حين أن تنتهي دعوى الحق العام القائم أمام قضاء اللجنة الطبية الشرعية فيحين بانتهائه النظر، أما فيما يتعلق بالحق الخاص فهو مترتب على الحق العام ومن آثاره ويشمل التعويض والدية».