هربت الفتاة وعادت وانتهى الأمر.. كان من الممكن أن يغلق ملف (فتاة الرياض) -التي هربت من الرياض للكويت متعدية كل الحواجز الاجتماعية والأمنية- بشكل ودي كما يحدث لكثير من الفتيات الهاربات ليتناسى الناس الواقعة، أو ربما تظل طي الكتمان بين جدران عائلتين أو ثلاث. لكن تداول هذا الموضوع في وسائل التواصل الاجتماعي ونشره على نطاق واسع، شكل صدمة كبيرة في الأوساط الاجتماعية والتربوية والنفسية. وفي الوقت الذي وجهت أصابع الاتهام للأب، والآباء بشكل عام في قضية هروب الفتيات من المنازل، إلا أن آخرين يرون أن كل الأطراف متهمة، بداية من الأب والأم والفتاة، وليس انتهاء بالتربية الأسرية والاجتماعية، وينبغي فتح قنوات واسعة بين الطرفين لتجنب وقوع ما لا يحمد عقباه. البداية كانت عندما أُجبرت (فتاة الرياض) على الزواج من شخص لا ترغب فيه، وفي الوقت ذاته كانت على علاقة حب مع شاب كويتي، وقامت بتدبير عملية هروب، نشرت تفاصيل حكايتها في عدة وسائل للتواصل. وفيما اتهم خبير قانوني رجال الجمارك بأنهم ربما يكونون متواطئين أو مقصرين طالب بتحقيق للكشف فيما إن كان هناك جناية أم تقصير؟ وقد أوجدت قضية تهريب فتاة من الرياض إلى الكويت عبر المنفذ الحدودي بين البلدين بواسطة شاب صدمة للمجتمعين السعودي والكويتي، كون أنهما مجتمعان محافظان ويرون أن ذلك التصرف أمر خطير على كافة المستويات؛ حيث طالب مواطنون بمعاقبة كل من أسهم في عملية التهريب مهما كانت الأعذار، وحتى لو كان قد تم دون قصد من رجال الجوازات، معتبرين أن الأمر إذا لم يتم حله من جذوره سيكون له تبعات خطيرة على كافة المستويات. «الشرق» التقت بعدد من المهتمين وفتحت هذا الملف. في البداية ذكر بدر دخيل الله من دولة الكويت، وهو أب ولديه ثلاث فتيات من مختلف الأعمار، أن هروب تلك الفتاة سبّب صدمة للجميع، ولا يمكن استيعابها مهما كانت مبررات الهروب لدى الاثنين. وأضاف: على الجهات المعنية إيجاد حلول وعقاب لمثل هذه الأمور الدخيلة على مجتمعنا الخليجي للحد منها. وعزت هند نزال، وهي سعودية ولديها أبناء من بينهم ثلاث فتيات تراوحت أعمارهم ما بين 16 و20 عاماً، الهروب إلى غياب الحوار الأسري خاصة بين الأم وابنتها، ما أدى إلى نشوء الحوار الصامت والفراغ العاطفي، فأصبحت الفتاة تبحث عمن يستمع لها، وبالتالي وجدت ذلك الشاب التي اعتقدت أنه الملجأ لكسر ذلك الصمت. وتواصل قائلة: أنا لا أعطي الفتاة مبرراً للهرب، ولكن هو مؤشر خطير على أن لغة الصمت التي عرفناها كمجتمع لا يحاور أبناءه أصبحت مستشرية، وتطورت إلى ظهور تصرفات غير أخلاقية لدى أبنائنا وبناتنا. فيصل حزام ذكر أن صديقاً له استخدم أساليب العنف في التربية مع ابنائه وخاصة الفتيات مما سبب إصابة إحداهن بخرس نفسي، وآخر رهاب من مواجهة المجتمع، فندم الأب ولكن بعد فوات الأوان. وأضاف: إن لغة العنف غير مجدية أبداً في التعامل مع الأبناء. مطالباً باستبدالها بتعامل رحب وفتح الحوار بين الآباء والأبناء بدل لغة العنف والإقصاء التي سوف تؤدي في جميع الأحوال إلى نتائج وخيمة. أما لؤلؤة الشهري وهي فتاة من أم كويتية وأب سعودي فتقول: نظراً للتمازج بين البلدين عشت داخل أسرة متفاهمة، لا تعرف لغة الإجبار أو العنف، وأعطتنا جميعاً حرية الاختيار والثقة المطلقة، ولكن ذلك كله بحدود. وقالت: عشنا أسرة طبيعية لا يوجد فيها لغة العنف، وإنما كنا متحابين ومتفاهمين، وليس بيننا أي بغضاء، أو تنافر. من جهته طالب الباحث في القانون الجنائي بدر الدبيان بالتحقيق مع جميع الأطراف التي أسهمت بشكل مباشر متعمد أو غير متعمد في حادثة تهريب فتاة من الرياض إلى الكويت من قبل شاب، وذلك كإجراءات استدلال يجب أن تضع جميع الاحتمالات والتحقيق في ذلك تجاه موظفي الجوازات وسائق الناقلة التي قامت بنقل المركبة من داخل المملكة إلى الكويت. وأوضح الدبيان ل «الشرق» أن ذلك يتم من خلال فحص فواتير المكالمات الهاتفية بين موظفي المنفذين السعودي – الكويتي، ومعاينة أجهزة اتصالاتهم ومدى وجود تواصل بينهم وبين المتهم وسائق الناقلة والاطلاع على كاميرات المراقبة في المنفذين ومعاينتها، ومن ثم تحديد إذا ما كان هناك اشتراك في العملية من عدمه، وما إذا كانت المسؤولية جنائية أم تقصيرية؟ وأشار الدبيان إلى عدم وجود أي إجراءات تنظيمية للحد من هروب الفتيات. وقال: كثير من التشريعات لا تعاقب الفتاة التي تهرب من بيت أسرتها، ولكن هروبها قد يؤدى إلى جرائم يعاقب عليها النظام. مؤكداً في الوقت ذاته أن إجراءات الحد من تغيب الفتيات يوجد فيها تراخٍ ظاهر، ومن أهم أوجه ذلك التراخي هو عدم قبولها كجريمة كبرى موجبة للتوقيف وعدم البحث الجاد والفاعل عن أسباب التغيب، وأماكنه والشركاء فيه، والمبالغة بالستر على الفتيات. مشيراً إلى أن كون الفتاة تبلغ من العمر التاسعة عشرة لا يعفي من قيام المسؤولية الجنائية عليها، فهي تعد مكلفة ومسؤولة مسؤولية جنائية كاملة عن جميع تصرفاتها، إضافة إلى كونها متزوجة وخرجت بغير إذن زوجها فتغلظ عليها العقوبة، لذلك حال طلب الزوج الحق الخاص تجاهها إضافة إلى من قام بتغييبها يعد مختطفاً لها إلا إذا ظهر قيد على إرادتها أو وجد أن هناك اتفاقاً مسبقاً بينهما ويمكن إسنادها على المتهم بأدلة ظاهرة. وبرأ الدبيان الجمارك السعودية من أي مشاركة في هذه الأحداث قائلاً: بالنسبة للجمارك ليس لها دور في حالة خروج الركاب والسيارات خارج الأراضي السعودية، وإنما الواقعة هي من اختصاص الجوازات؛ لأن المدققين للأشخاص يفترض منهم التثبت من الأشخاص أثناء خروجهم من المنفذ بعد إنهاء إجراءات سفرهم. وقال: ليس في الأمر سبيل لأفراد الجوازات؛ لأن من واجبهم تفتيش السيارات والأشخاص في أماكن وجودهم داخل المنطقة الحدودية المحظورة، ويتم في هذه الحالة التحقيق مع المناوبين في فترة خروج الشاب عبر مرجعهم ويقع عليهم العبء في هذه الحالة. إضافة إلى عقوبات أخرى بسبب الخروج بدون إثباتات سفر وفق مواد العقوبات بنظام الوثائق السفرية بعد تحقيق إداري، ويعتبر بمثابة مشروع قرار إداري يصدر عن لجنة الوثائق السفرية في المديرية العامة للجوازات. مشيراً إلى أن العقوبة لا تطبق إلا بعد مصادقة وزير الداخلية على القرار، وينسب لهم في تلك المخالفة تجاوز الحدود بدون أوراق ثبوتية. من جانب آخر طالب الدكتور ناصر العريفي أستاذ علم النفس الجنائي في كلية الملك فهد الأمنية بالتوسع في إنشاء المراكز الاستشارية المتخصصة لاستقبال مشكلات الأبناء والبنات ومساعدتهم في حلها قبل أن تتفاقم، وكذلك مضاعفة أعداد الاختصاصيين والاختصاصيات في المدارس. موضحاً أن هروب الفتاة من المنزل يستحق العقاب والعلاج معاً، ولكن يجب أن نتبع طريقة الوقاية خير من كل هذا، وذلك بالحفاظ على مشاعر الفتاة وإعطائها الاهتمام الكافي من الرعاية الصحية والنفسية والعاطفية والتقرب منها لكي لا تجد فراغاً عاطفياً تملأه بالبحث عن شاب خارج نطاق الأسرة، وبعيداً عن الضوابط الشرعية. وشدد الدكتور العريفي على مدى أهمية التحدث عن أهم الوسائل المتاحة للاتصال التي جعلت من السهل أن تقوم الفتاة التي تفتقر إلى الرعاية والحماية بالوقوع في براثن الخطأ. وقال: هذه الوسائل أصبحت في متناول الجميع مثل الكمبيوتر والجوالات المستخدمة بطرق مختلفة التي أصبحت الآن متنوعة لدرجة كشف الحواجز المستورة بين الناس. وتطرق العريفي للأسباب النفسية التي تدفع الفتيات للهروب ومن أبرزها: التهور واندفاع الفتيات الهاربات. وقال: خصائص الفتيات مختلفة فيما بينهن من حيث الظروف الاجتماعية المحيطة بهن، وكذلك من حيث تنشأتهن في بيئتهن الأسرية والاجتماعية، وكذلك من حيث تكوينهن النفسي والبيولوجي، إضافة إلى تشجيع الفتيات الهاربات من قبل البعض سواء صديقاتهن أو أحد الأشخاص من الرجال الذي تم التعرف عليه بطريقة غير شرعية. مشيراً في الوقت ذاته إلى ضعف الحماية والرعاية النفسية للفتيات من قبل الأسرة، وإهمال الفتاة مما يستدعي ذلك البحث عن العاطفة والرعاية العاطفية من قبل الآخرين حتى ولو كانت بطرق غير شرعية. وكشف الدكتور العريفي عن وجود بعض من الفتيات يعانين من بعض الاضطرابات النفسية التي تدفع ببعضهن إلى اللجوء للهرب من واقع غير مرغوب في البيئة التي يعشن فيها. وأضاف: لابد من التأكيد هنا على نقطتين هما ضعف الوازع الديني لدى الفتيات يرافقه ضعف التدين عند الآباء والأمهات ما يسبب سهولة التخلي عن القيم الاجتماعية والشرعية، إضافة إلى التشديد على الفتاة من قبل الأبوين، والعمل على تضييق دائرة الحرية بشكل لافت للنظر، ما يجعل الفتاة تضطر إلى اللجوء للآخرين، إلى جانب خطورة أن الرجل (أو الحبيب المفترض) الذي قام أو أسهم بتهريب الفتاة، ينظر لها على أنها منحرفة ولا يمكن أن يكن لها الاحترام بعد ذلك. ويشخص الدكتور العريفي الآثار النفسية الناجمة على الهروب سواء على الفتاة أو الأهل، وذلك بقوله: من بين تلك الآثار تفكك الأسرة وتصدعها وشعور الفتاة بعقدة الذنب الدائمة، والندم المستمر الذي يقود في كثير من الأحيان إلى التعاسة والاكتئاب والتعقيد الأكثر جراء الهروب؛ حيث تبحث عن الحل لمشكلاتها فتلجأ إلى الهروب فما يزيد ذلك إلا تعاسة وتعقيداً لمشكلاتها، فتفقد الهاربة من منزلها الأمل في تكوين أسرة مستقرة، وكذلك صعوبة مواجهة الحياة بعد الهروب؛ لأنها تشعر بعدم الأمان والاستقرار وعدم الثقة بأحد. وأضاف قائلاً: قد يتسبب الأمر في فقدانها عذريتها، وهذا ما يقلل من شأن الفتاة العربية المسلمة عند الآخرين فتصبح منبوذة من قبل المجتمع، إلى جانب الحقد المتولد لدى الفتاة الهاربة عندما تنظر إلى الفتيات الأخريات المستقرات في أسرهن وبيوت أزواجهن. محذراً من أن الأمر أثر على سمعة الأسرة بين الأقارب والأصدقاء، وتأثير ذلك على الأخوات، مما يستدعي عدم تقدم أحد لخطبة أخت الهاربة، والتسبب في إيذاء الأب، وخاصة إذا كان يعيش في بيئة محافظة جداً فيؤدي ذلك تمنيه موت ابنته على هروبها، وقد يؤدي ذلك إلى قيام الأب أو الابن بقتل الفتاة دون وعي. وحول تأثير هروب الفتيات في المجتمع والأمن؛ بيّن العريفي أن هروب الفتيات من المنزل يسيء إلى سمعة الفتاة السعودية، كما يسهم في زعزعة أمن المجتمع، وبالتأكيد فإن هذا الهروب سيشغل رجال الأمن، وذلك في التعبئة الأمنية والسعي لإيجادهن مما يعطل عليهم العمل على القيام بحماية الأمن في مواضع عدة، كما يساعد من جهة أخرى على إيجاد أماكن إيواء غير شرعية. ويفصل الدكتور ناصر العريفي العلاج لهذه الحالات في تسعة أساليب: وخلص الدكتور ناصر العريفي إلى القول إن هذه المشكلة لم تصل إلى مرحلة الظاهرة لدينا، وبمعنى آخر إنها محدودة جداً في عينات قليلة جداً.