أمهات يعشن حسرة على بناتهن، وفتيات يتهمن أسرهن بأنها من تسببت بهروبهن من المنزل، وتبقى قضية هروب الفتيات من أسرهن إلى المجهول أمراً مرعباً، فالمجهول يعني مساحة كبرى بلا حدود من الخطر. ربما يحدد «المجهول» مصير فتاة إلى الأبد، ربما يحكم عليها بالبقاء كسجينة في دار الرعاية الاجتماعية، وتبقى حتى بعد خروجها سجينة داخل قضبان مجتمع لا يرحم ولا يغفر للفتاة خطيئتها، كما يفعل مع الرجل. تقع فتيات في مشكلة كبيرة، سواء من فجأة أم ربما بسبب تراكمات، لكنهن لا يعين تماماً خطورة ما يقدمن عليه، ليقفن في لحظة ما عاجزات، متسائلات: «إلى أين المفر؟». في وقت بلغت فيه حالات هروب الفتيات من منزل الأسرة في السعودية بسبب العنف الأسري 1400 حالة خلال عام واحد بحسب آخر الإحصاءات التي كشفها رئيس اللجنة النفسية في غرفة تجارة جدة الاستشاري النفسي الدكتور مسفر المليص نهاية العام الماضي. وذكرت الإحصاءات أن 26.6 في المئة من قضايا الهرب المرصودة متعلقة ب«الإهمال»، في حين، أن 22.8 في المئة تتعلق بسوء المعاملة النفسية للأطفال، وأن 12.2 في المئة بسبب سوء المعاملة الجسدية. ولكن هذه الإحصاءات المختصرة لا تعبر عن أسباب ودوافع الهرب، فالأخيرة تمتد لتتفرع في الأسر المفككة، تنام بعد شجار، وتصحو على شجار، تستيقظ مع الفقر أحياناً، وتعيش مع الصراعات الزوجية، والقسوة والتسلط، والإهمال والإقصاء، تقف شاهداً على طلاق الوالدين، والانفصال العاطفي، والطلاق الصامت، تتفاعل مع تهميش البنات وإعطاء الأولاد حظوة، تتضخم مع المبالغة في التدليل والحماية الزائدة، وتستفز أكثر مع العنف والضرب، ونزع ما تبقى من احترام للفتاة، فضلاً عن التحرش الجنسي، وغياب الحب، وخواء المشاعر، وتستيقظ أكثر في الفراغ العاطفي لعدم تلبية الطلبات المادية، الرغبة في تملك أجهزة اتصالات، وقطع الماركات العالمية، والتباهي والتفاخر كالأخريات، الرغبة في تكوين علاقات غير شرعية، كل ما سبق عناوين سريعة للأسباب التي تجبر الفتاة على الهرب من منزل أسرتها، والسؤال المقلق: إلى أين المفر؟ سيناريوهات واقعية للفرار ...«تفكك» و«إهمال» وعلاقات «خرساء» الرياض - أسماء العبودي عاشت عند جدها لأبيها وعانت من عنف الأعمام، كان حلمها أن تكون طبيبة أطفال، ولكنهم أخرجوها من المدرسة في الصف الثاني متوسط». بعد وفاة الجد انتقلت للعيش مع والدها، تقول: «أبي كثير السفر وأمي متصابية تعيش حياتها الخاصة، وأنا مهملة من الاثنين، ومحطمة نفسياً من ضرب أعمامي وتعنيفهم غير المبرر، وفي بيت أسرتي المفككة والخالية من أدنى المشاعر العاطفية الحانية، ارتبطت بخالتي التي دفعتني إلى الانحراف والحصول على التعويض العاطفي من خلال العلاقات المختلفة حتى وصلت الأمور بي إلى الهروب من أسرتي إلى الشارع». كانت هذه إحدى السيناريوهات المسببة لهروب فتاة من منزل أسرتها، وردت في دراسة للدكتورة نورة الصويان عن «اضطرابات الوسط الأسري وعلاقتها بانحراف الفتيات في المجتمع السعودي». أحد الفتيات ضمن العينة المبحوثة في الدراسة، تبلغ من العمر 17 عاماً ولديها طفل، تروي قصتها: «عشت طفولة بائسة، من زوجة أب ظالمة، وأب لا يعرف سوى الضرب لي ولأخوتي، وحين بلغت ال11 انتقلت للعيش مع أمي ولم أجد الفرق بينهما، فانتقلت إلى بيت جدي الذي رعاني جيداً، ولكن والدي زوجني إلى رجل طاعن في السن بعد أن دفع له 100 ألف، فأصبحت خادمة لزوجاته الأخريات، حتى هربت مع طفلي من المنزل وبقيت هائمة أياماً في الشوارع». فتاة ثالثة تحكي معاناتها، فتقول: «عشت في أسرة مفككة، أبي مدمن كحول وعنيف معنا جميعاً، وأمي أهملتنا وانشغلت بمشكلاتها الخاصة، وجميعنا عشنا بلا رقابة أسرية، وبلا عواطف أو رعاية، بحثت عن العاطفة والحنان في علاقات غير شرعية ومكالمات وانقطعت عن الدراسة وكذلك أخوتي الذكور فهم بلا دراسة وبلا عمل وعلاقاتنا بعضنا ببعض سيئة للغاية، فلا أحد يبالي بالآخر وفيها تسلطية من الأخوة على البنات، اتجهت إلى المعاكسات والمكالمات الهاتفية، ووجدت الدعم من أختي التي تكبرني، وانتهى بي الأمر بالهرب والعمل في مؤسسة رعاية الفتيات». من خلال عدد من الحالات التي تعيش وتقضي محكومياتها في دور الرعاية الاجتماعية، أثبتت الدراسة التي أجريت على عينة من 112 فتاة أن جميع أسر الفتيات يسودها التوتر والاضطراب، وأن أساليب التعامل من الوالدين يطغى عليها الإهمال أو القسوة والعنف. وبدا واضحاً أن كل العينة المدروسة تفتقر إلى الحب والعاطفة والتفهم والحوار من جانب أسرهن، وهو ما دفعهن إلى الهرب والبحث عن الحب بطرق غير مشروعة، إضافة إلى أنهن ينحدرن من أسر مفككة ومتصدعة إما بالطلاق (56 في المئة من العينة) أو الانفصال والهجر وتعدد الزوجات أو إدمان الكحول والمخدرات. ولا يمكن تجاهل الفقر كأحد أسباب هرب الفتيات بحسب الدراسة التي أوضحت أن الحرمان من الماديات الأساسية يؤدي إلى البحث عنها من خلال طرق غير شرعية، وأبرزت نتائج الدراسة أهمية تأثير الحرمان العاطفي في انحراف الفتيات وارتباط هذا الحرمان بالاضطرابات الأسرية، وتتعدد أشكال القهر كسيطرة الذكور على البنات والإجبار على الزواج في ارتفاع نسبة الانحراف والهروب، كما أن بُعد الأسرة عن الدِّين وترك الدراسة والانضمام إلى صديقات السوء من الأسباب المؤدية إلى الانحراف والهروب من الأسرة. وتجمع الفتيات في دور الرعاية بعد هروبهن بأنهن يخشين رفض أسرهن لهن بعد انقضاء المدة المقررة، فالمجتمع قاس جداً في أحكامه ولا يغفر أو ينسى، لتبقى فترة البقاء في الدار وصمة تعاني منها الفتاة حتى الممات. العلاقات الخرساء أشارت الدكتورة مزنة الجريد من مركز الإرشاد الأسري في وزارة الشؤون الاجتماعية إلى أن ذوي الفتيات الهاربات لا يحاولون «تفهّم» دوافع وأسباب هرب الفتيات منهم، الذين غالباً يكون لهم الدور الأكبر فيه، فأسرة الفتاة الهاربة غالباً في حال انشغال عنها، إضافة إلى أن جميع النواحي مزعجة، فالعواطف الأسرية معدومة، والحوار غائب بين أفرادها، والعلاقات الأسرية «خرساء»، وكلٌّ مشغول بحالته الخاصة. وخلافاً لكون غالب الحالات تأتي من أسر مفككة أو معنفة من الأخوة الذكور أو أحد الوالدين أو زوجة الأب أو زوج الأم، تجد الفتاة في المقابل صديقات يستمعن إليها ويتحدثن عن همومهن، وربما يتشابهن في الظروف الأسرية فيتكون نوع من الشراكات بينهن ويتبادلن الخبرات السيئة، التي يتوقعن أنها نوع من الخروج من المآزق العاطفية التي يعشنها فينشأ بينهن نوع من التشجيع للتجربة وخوض علاقات غير شرعية، ويلجأن إلى المكالمات أو الخروج من المدرسة للأماكن العامة، وهذا يكون في الحالات العمرية بين 17 و21 عاماً، إذ تكون العلاقة بالصديقات هي الأقوى بحسب الخصائص العمرية للفتيات. وأضافت: «حين تحدث مؤشرات الانحراف وتبدأ الدائرة بالاتساع من دون الانتباه لها، فتقع الفتاة في المحظور ويحدث الهروب غالباً نتيجة الخوف الشديد من العواقب والعقاب الأسري وقلة الخبرة، ويجدن أنه الحل الأنسب من دون توقع العواقب الوخيمة لهذا الأمر». وتابعت: «لو حاولت الأسرة في هكذا حالات انتشال الفتاة واحتواءها ورعايتها والاهتمام بها لما وصلت الفتيات إلى هذه المرحلة، حتى فيما بعد الهروب نجد صعوبة كبيرة في إقناع الأهل بتغيير أساليبهم مع الفتاة لتكون الفتاة على رغم الخطأ الصغير أحياناً موصومة من أسرتها بالانحراف وتعامل من الجميع بنوع من النبذ والتهميش وحتى لو حاولت الفتاة تحسين وضعها وسلوكها فإن النظرة والوصمة باقية لدى الأسرة التي لا تفتح صفحات جديدة مع الابنة، وتستمر الحال كما هي من دون تغيير فتحدث الانتكاسة لدى الفتاة». «شرطة جدة»: الإحصاءات «سرية جداً» اعتبر المتحدث الإعلامي لشرطة محافظة جدة الملازم أول نواف البوق أن هرب الفتيات لا يعدو كونه «حالات فردية في حدود ضيقة، نتيجة مشكلات اجتماعية وأسرية معيّنة». وقال: «هي حالات قليلة جداً ونادرة، يتم التعامل معها ومعالجتها في سرية تامة»، مشيراً إلى أن إحصاءات هرب الفتيات «سرية جداً»، كونها تعود إلى مشكلات أسرية تلمس أعراض الناس. ويتفق معه القاضي السابق والمحامي محمد الجذلاني الذي قال ل «الحياة» إن هرب الفتيات وبحسب ما يرى من قضايا نشرها الإعلام مجرد حالات فردية، لا يرجح أن تكون ظاهرة. في حين يختلف معه المحامي عبدالعزيز العصيمي، الذي يرى أن هرب الفتيات في الآونة الأخيرة أصبح «ظاهرة»، إذ قال في حديثه إلى «الحياة» إن إحدى الدراسات التي أجريت في العام 2007 أشارت إلى وجود نحو 3 آلاف حالة هرب في السعودية، ازدادت خلال الأعوام الماضية. ويرى العصيمي أن ظاهرة الهرب تعود إلى أسباب متعددة، منها ضعف الوازع الديني لدى الفتاة، وانعدام أو ضعف الرقابة على الفتاة من الوالدين، إضافة إلى العنف الأسري والعضل عن الزواج، التي رأى أنها تأتي على رأس قائمة أسباب الهرب. وأضاف: «لا بد من وجود تفاعل من جهات الاختصاص في مثل هذه المواضيع، وللأسف فالفتاة الهاربة عند وقوعها في أية جريمة بعد الهرب يتم توقيفها والحكم عليها، وبعد انقضاء مده العقوبة وعند الاتصال بأهلها يرفضون استقبالها، فضلاً عن عدم السؤال عنها وعدم زيارتها خلال فترة التوقيف، الأمر الذي ينطبق على معظم الحالات». ويعزو المحامي بدر الروقي هرب الفتيات إلى الضرب والاعتداءات الجسدية والعنف الأسري، التي أدت إلى بحث «الضحية» عن ملجأ آخر. وأضاف: «أثناء نظر القضاء في مسببات الهرب، تخيّر الفتاة بين الذهاب مع أحد أعمامها أو أخوالها، أو تودع في دار الرعاية حتى يتم النطق بالحكم، الذي غالباً ما يكون مغلظاً إذا ثبت التحرش بالتحاليل الطبية أو بوجود شهادة أو تسجيل صوتي أو فيديو أثبتها الادعاء العام أثناء تحقيقه ونظره في القضية». الاتصالات وغياب الرقابة سببان آخران تؤكد الدكتورة مزنة الجريد أن تطور الاتصالات من أكبر أسباب انتشار هرب الفتيات، «فهذه الثورة الاتصالية لم يصاحبها أي نوع من التوازن داخل الأسر، بل على العكس أصبحنا نرى الوالدين يعيشون في عالم خاص مع هذه الاتصالات، متناسين ومتغافلين عن واجبات التربية والتواصل مع بناتهم أو حتى أولادهم». وتضيف: «أتاح هذا العالم للفتيات التعرف على العوالم الرومانسية والعاطفية، ومتابعة المسلسلات التي تعرض على الفضائيات والمليئة بقصص وأحداث تجذبهن لواقع آخر لا تعيشه الفتاة على أرض الواقع، ما أدى إلى نوع من الانفصال عن العالم الحقيقي، وزاد الأمر انتشار الرسائل و«البرودكاست» والمقاطع في الأجهزة المحمولة، ما رفع سقف التوقعات الحالمة لديهن». وتتابع: «مع كل هذا الزخم المعلوماتي المرئي والمقروء الذي يصل إلى حضن الفتاة من دون مشقة، تتجه بعضهن للهرب كحلّ للتخلص من الأوضاع الحقيقية داخل الأسرة التي هي في كثير من الأحيان منهارة ومفككة». وتصل الجريد إلى أن النتيجة كانت «غياب الرقابة الذاتية الحقيقية التي يجب أن تنشأ من اقتناع وتربية فعالة، أسهم في ذلك الواقع المتناقض للأسر التي تبث رسالة زائفة وهي: أفعل ما يرضي الناس، وارض ذاتك في الخفاء عن أعينهم». وتشير في هذا الصدد إلى أن المدرسة «للأسف تسهم في تعزيز عدم الثقة في الفتاة، فمجرد تردد الفتاة على دورة المياه يجعلها مراقبة من المدرسة، وحين تخطئ بإحضار هاتفها المحمول فهي متهمة بأمور سيئة كثيرة، وتعاقب عليها حتى لو لم يثبت ضدها أي انتهاك، وكل هذه الحالات لا تبني الثقة بالنفس ولا بالآخرين، فيكون اللجوء إلى أي أمر يحقق لها حاجات نفسية ويشبعها، حتى لو بطريقة غير مشروعة». توصيات أشارت الدكتورة نورة الصويان في دراستها إلى عدد من التوصيات التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار للتقليل من هذه الظاهرة التي بدأت تنتشر أخيراً، وذكرت أهمية رفع المستوى الاقتصادي للأسر لتتمكن الأسرة من توفير حاجات أبنائها وإشباع حاجاتهم الأساسية، كما أن المجتمع يحتاج إلى رفع مستوى التوعية بالأساليب السوية لرعاية وتربية الأبناء، ووجهت إلى ضرورة إنشاء مراكز للتوجيه والإرشاد الأسري على مستوى الأحياء في جميع مناطق المملكة، إضافة إلى مشاركة وزارة التربية والتعليم بتفعيل دور المرشدة الطلابية في المدرسة، وبناء قدرات المرشدات وتأهيلهن من خلال التدريب لتوعية الطالبات والأهالي على مهارات لمواجهة الحياة، مؤكدة على الجهات العدلية بسنّ تشريعات تحدّ من زواج القاصرات. إخضاع 1222 فتاة ل«تعديل سلوك» الرياض - ظافر الشعلان أخضعت وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال مؤسساتها الأربع لرعاية الفتيات في المملكة 1222 فتاة لتعديل السلوك، بعدما بدت عليهن بوادر انحراف أو كانوا معرضات له. وكشف التقرير الأخير الذي أصدرته وزارة الشؤون الاجتماعية (حصلت «الحياة» على نسخة منه) أن أعمار الفتيات بمجملهن لا تزيد على 30 عاماً، ليصدر في حقهم أمر بالتوقيف أو الحبس، على أن يراعى بالنسبة إلى من هم دون سنّ ال15 أن يمضين فترة التوقيف أو التوقيف في قسم خاص بهن داخل المؤسسة. وتنوعت أسباب إيداع هؤلاء الفتيات في المؤسسات الأربع، لرعايتهن في كل من (الرياضومكةالمكرمة والشرقية وعسير) وكان السبب الأبرز هو الأخلاقيات ب81 حالة، وبوادر انحراف ب60، وجرائم قتل ب21 حالة، وحالة واحدة بسبب التفكك الأسري، في حين، أودعت 15 حالة للاعتداء على الآخرين أو الممتلكات، و8 حالات تعاطي وترويج المخدرات و3 حالات بسبب سرقات. وذكر التقرير أن مؤسسة رعاية الفتيات في الرياض تصدرت في ضم العدد الأكبر من الحالات، إذ استفاد من المؤسسة 681 فتاة خلال عام، يليها مؤسسة رعاية الفتيات في مكةالمكرمة بعدد 322 فتاة، فيما كان عدد المستفيدات من مؤسسة الرعاية في عسير 147 فتاة، بينما مؤسسة رعاية الفتيات في الأحساء استفاد منها 72 فتاة. وفي ما يتعلق بتوزيع الحالات في مؤسسات الرعاية الاجتماعية بحسب الحالة الاجتماعية، أوضح التقرير أن عدد المتزوجات المستفيدات من المؤسسات الاجتماعية 30 فتاة، 9 منهن في الرياض و5 في مكةالمكرمة و5 في الأحساء و11 فتاة في أبها، فيما كان عدد الأرامل المستفيدات 5 فقط، 3 في الرياض و2 في مكةالمكرمة، وبالنسبة إلى المطلقات، فبلغ عدد المستفيدات في الرياض 11 فتاة و5 في مكةالمكرمة و4 في الإحساء و10 فتيات في أبها، بينما كان عدد المستفيدات من هذه المؤسسات اللاتي لم يتزوجن 144 فتاة، 39 منهن في الرياض و41 فتاة في مكةالمكرمة، و8 في الأحساء و56 فتاة في أبها. ولفت التقرير إلى أن مدة بقاء الفتيات في هذه المؤسسات الاجتماعية تترواح بين أقل من عام و5 أعوام فأكثر، إذ كان عدد المستفيدات من هذه المؤسسات الأربع 168 فتاة، 47 منهن في الرياض، و43 في مكةالمكرمة، و7 فتيات في الأحساء و71 فتاة في أبها. قصة «هاربة» لا تستغرق سوى دورتين لعقرب الثواني جدة - سلطان بن بندر منذ أن أنطق ابن منظور «لسان العرب» قبل نحو سبعة قرون، فسّر فيه الهرب على أنه الفرار، وقال أهرب جد في الذهاب مذعوراً، ولعل الهرب أو الفرار لا يكون إلا من الخوف أو للنجاة من شيء يرهب الهارب، ويدفعه للنجاة بنفسه من الأهوال التي تراها نفسه، أو للتحليق بعيداً طمعاً في الحرية. الآن وبعد نحو 700 عام من نطق لسان العرب بتفسير الهرب، أصبح موضوع «هرب الفتيات» لا يتجاوز الأحاديث الجانبية السريّة في المجالس لكشف تفاصيله، وأحياناً يكون موضوعاً للنقاش في المجالس السعودية لبيان أعظم مسبباته التي غالباً لا تتجاوز النقاش حوله دورتين لعقرب ثواني الساعات قبل أن يغلق الموضوع قسراً. هرب من الواقع إلى المجهول، أو من الحاضر الموجع إلى المستقبل المجهول المعالم والتفاصيل، لتهيم على وجه الأرض، من دون أن تعلم إلى أين الوجهة، فكل ما تتمنى التخلص من ضيق الجدران وما خفي وراءها. كآبة الحال في عينيها، وقسوة قدرٍ شاء لها أن تتخلص من جريمة يرى عقلها أنها تتعرض لها كل يوم، لتقوم بجريمة أخرى في نظر المجتمع والعادات والتقاليد في حق أهلها وذويها، فالصبر هو أول حلٍ يخرج من أفواه المراقبين لحالها من بعد ولسان حالهم يقول: «لو صبرت». هرب الفتيات في مجتمع متدين محافظ كالمجتمع السعودي، يرى غالبيته أن هذه القضية لا يمكن أن تكون سوى حالات فردية لا تعمم، بينما يرى آخرون أنها أصبحت أخيراً مشكلة لا يمكن تجاهلها تحتاج حلولاً سريعة.