تجاذبات أصحاب الفكر السياسي عن مقولة المؤامرة بين مؤيد ومعارض، حسب معطيات الأحداث وعندما تكون القراءة خاطئة لأمور متشابكة ومتداخلة في بعضها فلا يمكن تفسير الحدث دون ربطه بما قبله وما بعده وما ينتج عنه وليست إسقاطات نفسية كما يبدو في بعض الحالات أن الحدث تم لمعالجة موقف معيَّن، ولكن النتائج أظهرت عكس التصور. وعندما أتحدث عن المؤامرة فلا أعني بها أن اثنين يحيكان مخططا ضد ثالث، فهذه الأمور تخطاها الزمن بعدما وصلنا إلى هذه النقلة من تقنية الاتصالات والاتساع المعرفي، ولكنها أخذت عدة وجوه يتشكل بها الخصم حسب الحالة بتكتيك يتناسب مع الظروف الموجودة فعلا أو تصنع إذا دعت الحاجة لإيجادها مع فبركتها حسب البيئة المحيطة بها، لتكوين الإحساس بأنها طبيعية وأنها من صنع المستهدفين أنفسهم حتى لا يلام الآخرون بل يشكرون عندما يتدخلون لحل ذلك الأشكال، وهناك من يؤكد (أن المؤامرة الحقيقية في تلك الذهنية التي ابتكرت فكرة المؤامرة التي شغلت عامة الناس بتوافه الأمور واستهلكتهم في التفتيش عن المتآمر وجنده). فليسمح لي القارئ العزيز بقراءة التاريخ الموثق لوقائع وأحداث مرت ودونت بثبات بعيدا عن روايات أو أخبار تدار بمكر متآمر أودهاء المتربصين: 1855 م قدمت رشاوى للحكام الأتراك لإنشاء بعض المستعمرات اليهودية. 1882 م تكونت جمعية أحباء صهيون في روسيا . 1896 م أصدر هرتزل الصحفي النمساوي اليهودي كتاب (الدولة اليهودية) . 1897 م أقيم مؤتمر لليهود في مدينة بال السويسرية . 1905م المؤامرة الكبرى التي بدأت في مؤتمر لندن بدعوى من بريطانيا لأجل تنسيق التوسع الاستعماري وشارك في المؤتمر الذي دام سنتين نخبة من مشاهير الغرب) المؤرخون، علماء الاقتصاد، الاجتماع، النفط، الزراعة. ويقول التقرير (إن مصدر الخطر الذي يهدد الاستعمار الغربي بالزوال يكمن في الشواطئ الجنوبية والشرقية للبحر المتوسط، ففي هذه المنطقة يعيش شعب واحد وله كل مقومات المجتمع والترابط والاجتماع وتتوافر له نزعاته التحررية و ثرواته الطبيعية و كثرة تناسله كل أسباب القوة والنهوض. 1916 م احتلت بريطانيافلسطين . 1917 م صدر وعد بلفور بوطن قومي لليهود . 1936 م تقسيم الدول العربية بين بريطانيا وفرنسا كإرث للخلافة العثمانية. ولا يخفى على الجميع الآليات التنفيذية لكل حدث بعد حصوله وخاصة أن جميع الدول العربية تخضع للاستعمار في تلك الحقبة خمسون عاما من الاستعمار والاستعباد والاستحواذ التي كرست فيها العبودية والخنوع وربط مقدرات الشعوب بإنتاجهم وتحت سيطرتهم يمنحونك ما لا يخرجك من دائرتهم والكل يعرف أن جميع الدول العربية عند بداية المؤامرة تحكم بقائم مقام المستعمر المصدر للحدث فهل تتوقع أن تكون هناك قدرة على المواجهة أو المجابهة بأعمال مضادة أو صادة لهذا الإجراء أو ذاك، وعلى الرغم من كل ذلك كانت هناك ثورات وانتفاضات واحتجاجات واعتصامات ومظاهرات مثل ثورة عرابي وسعد زغلول وانتفاضة 36 وحرب التحرير 48 والاعتداء الثلاثي 56 ونكبة 67 وحرب أكتوبر 73 ومرارة 91 وأحداث 2003 ولا أعتقد أننا سننتهي من هذه الويلات في ظل تكالب القوى المهيمنة. وبعد أن تحررت الدول العربية من الاستعمار جابهت موروثات خلفها المستعمر كشوكة في خاصرة الأمة العربية منها زرع دولة إسرائيل سنة 1948 التي تسببت في زعزعة الاستقرار في المنطقة استنزفت قدراتها وهذه أهم نقطة استثمار لتلك المؤامرة وما وصلنا إليه اليوم ما هو ألآ ارتدادات فرضتها النتائج لتلك الأحداث. والآن بعد أن بسطوا نفوذهم أصبحوا يعزفون على سيمفونية العولمة لتسويق الانفتاح وإزالة العوائق الحدودية والموانع الضريبية وشرعوا لنا حقوق الملكية والحماية الفكرية بعد أن سيطروا على الساحة خشية ظهور منافس ولو بعد قرون أليست هذه الأحداث توضح التآمر وتكشف التواطؤ وهناك من يؤكد ألاَّ سبيل إلى الخلاص من هذه الحالة إلا بهدم هذا الوهم الثقافي الكبير (المؤامرة) فدعوني أسأل المشككين عما يلي: ألم يتدخل الغرب الآن في مناهجنا؟ ألم يمنع عنا بعض التخصصات العلمية إلا فيما ندر؟ ألم يضع شروطا على مشترياتنا من السلاح؟ ألم يقيد صادراتنا بحجج واهية مثل ضريبة الكربون على منتجاتنا البتروليه والمنسوجات الإماراتية والمصرية بحجة الإغراق؟ فلماذا نمارس التسطيح ونغض الطرف عن الممارسات المفضوحة ونشطب المؤثرات التاريخية ونحاول مسح الذاكرة العربية؟.