تغيب صفحة المداولات في صحيفة «الشرق»، ويغيب معها الضياء عن المنزل والشارع، تعود الصفحة، وتعود البسمة لقراء هذه الصفحة التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية، وروضة من رياض الدنيا التي يبوحون لها بكل ما بداخلهم، وهي بكامل رضاها. يتلقفها المراهق ويضمها إلى صدره، والمسن ينتظر بزوغ فجرها الجميل، وتتنفس بها الأنثى عبير الحرية، وبانطلاقتها تنطلق بقلمها، وبوقوفها ترفع الأقلام وتجف الصحف، ويظلم المكان، وتتكدس الأفكار فوق بعضها البعض. وتنطق بها المسنة قائلة (لا تجيبون الجريدة بدون المداولات) التي أصبحت تنافس كتاب الرأي الذين بآرائهم يقبضون الدريهمات، ويهزون جذع الصحيفة ليسقط عليهم الرطب وفنجال من القهوة تفوح منه رائحة الزعفران والهيل. عموماً: المداولات أصبحت في حياتنا سيمفونية يعزفها المايسترو (محرر الصفحة) ذلك الرجل ذو الأخلاق الحميدة فالجميع يعرفه جيداً. وكثيراً ما يرفض مقالاتي التي تتجاوز الخطوط الحمراء وتخالف المعايير الصحفية والمهنية والسياسية. برغم حبي له وصداقتي معه إلا أنه حازم معي ومع غيري، ولا يمكن أن ينشر ما لا يستحق النشر، ولا يعطي دور قارئ لقارئ سبقه بالكتابة. وأنا هنا لست قاصداً المدح والقدح. ولكني فخور به (أديب وإعلامي) ومنارة من منارات العلم والأدب في جريدة «الشرق» الغراء.