تختتم صحافتنا العربية أعدادها في نهاية ديسمبر بمسح طويل ومفصل أحياناُ بكل أحداث العام في السياسة والاقتصاد والشؤون الدولية والإقليمية والمحلية وغيرها من الحقول الثقافية والفنية. وهذا العمل يتطلب جهداً غير قليل يعرفه الزملاء الصحفيون الذين يتم تكليفهم بهذه المهمات. فهم يقفون في نهاية السنة أمام أكوام ضخمة من الأحداث والقضايا ليلتقطوا أكثرها تأثيراً في مجريات حياتنا الراهنة. ورغم كل ذلك فإننا نعرف جيداً أن ما يفعلونه في صفحات آخر العام لم يكن أكثر من عمل توثيقي وأرشيفي لسنة كاملة غادرت حياتنا ولن تعود، وأننا في الحقيقة لا نتوقف عندها طويلاً لأنها أصبحت ماضياً عاجلاً، ونحن أمام لهاث معلوماتي وتواصلي لا نجد معه وقتا كافياً لقراءة أحداثه. في أغلب صحفنا، وفي مثل هذه المناسبة التي نطل منها على عام حافل جديد، تغيب صورة المستقبل دائماً. لا تجد من يصوب رؤيته نحو السنة المقبلة فيقرأ ما يمكن أن يجري من أحداث أو يستجد من متغيرات. إنه عام الربيع العربي حقاً، لا نقوله نحن الساكنون في جغرافيا الشرق الأوسط فقط بل تقوله صحافة العالم ومحللوه وإستراتيجيوه، لكن السؤال هو ما مستقبل هذا الربيع في السنة القادمة أو ما وراءها. لا يكفي أن نتحدث عن البوعزيزي وعربته الناحلة التي أطلقت شرارة الغضب في تونس، بل نتمنى قراءة موضوعية في مستقبل تونس وقراءات أخرى عن مصر وسوريا واليمن. ما هو شكل العراق بعد خروج آخر مجند أمريكي؟ هل هناك انهيار مالي آخر؟ ما مستقبل علاقاتنا العربية البينية؟ هل تتقدم دول الخليج العربي على مسار الاتحاد الخليجي؟ وما هو شكل ومضمون هذا الاتحاد؟ ما هي فرص تحقق المجتمع المدني في بلادنا؟ هل تكون سنة الكشف عن الفساد الإداري والمالي الذي أصبح له مؤسسة رسمية تدرس شؤونه وشجونه..! والمهم هو أن توجد هيئة أو مؤسسة عربية لا تغمرنا بصور الماضي وأحداثه بل تكون مهمتها الأساسية إلقاء الضوء على أوضاعنا خلال عام قادم. ليس شرطاً أن تكون تنبؤات ذلك المعهد أو المؤسسة صائبة ودقيقة من أول سنة فالمهم هو أن نؤسس لهذا النوع من التفكير والتحليل في مؤسساتنا وفي دائرة كتابنا وباحثينا، بدلاُ من أن نتلقفه من المعاهد البحثية والإستراتيجية الغربية. بعض الصحف العالمية المرموقة فطنت لهذا، واستبدلت سرد الأحداث الماضية بتخصيص أعداد مستقلة كاملة تقرأ وتتنبأ بقدر كبير من الموضوعية والرصانة المستجدات خلال عام قادم، وفي طليعة تلك الصحف مجلة (الأكونوميست) البريطانية التي يصدر عددها الخاص بلغات عديدة بينها اللغة العربية مطلع كل سنة.أليس من الأسلم لنا أن نقرأ مستقبلنا بأنفسنا حتى لو كان أغبراً، بدلاُ من انتظار مراكز أبحاث الآخرين ليقرؤوه بالنيابة عنا مهما بدا جهدهم شفافاً وموضوعياً؟ هل ستخلو نظرات باحثيهم دائماً من تحيّزاتهم السياسية والفكرية والعنصرية؟ لكن السؤال الأخطر هو هل نعرف حقاً كيف نقرأ مستقبلنا أو كيف نصنعه؟!