لم ينتظر بعض المثقفين والكتاب الخليجيين والعرب أن ينتهي العدوان الحالي الذي تشنه إسرائيل على غزة بكل صلفها وجبروتها العسكري، أو حتى أن تهدأ وتيرته وتخف حدته، وبادروا بشن «عدوان» آخر، ليس بالصواريخ والطائرات والبوارج الحربية هذه المرة، ولكن بالكلمات والمقالات والتدوينات والتويتات والبوستات التي دبجوها مشهرين سيوف نقدهم ومفوقين أسهم لومهم ليرشقوا بها خاصرة الضحية التي تنزف دماؤها وتتكاثر جراحاتها ويعلو أنينها. وكأنهم بهذا الفعل يقدمون، من حيث لا يشعرون أو من حيث يتجاهلون، غطاء ثقافيًا للعدوان الإسرائيلي الغاشم الذي يباهي بجبروته، ويزهو بقوته في وجه شعب شبه أعزل إلا من إرادته وصموده وتمسكه بحقوقه. المنطق والحجة اللتان يستندان إليهما هي أنه لا جدوى من التصدي والوقوف في وجه المحتل الذي اغتصب أرضهم وشرد شعبهم وضيق عليهم وحاصرهم، لأن ميزان القوى مختل تماماً؛ إذ ترجح كفته بشكل واضح لصالح المحتل الذي تقف وراءه وتسانده القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية الأكبر في العالم، ونعني بها الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولم يتورع أولئك الكتاب عن السخرية من «الأسلحة» التي في حوزة المغلوبين على أمرهم والمضطهدين والمحتلين لأنها لا تقارن بطبيعة الحالة بترسانة الكيان الصهيوني الحربية المتطورة التي تزخر بأحدث الأسلحة ووسائل القتل والتدمير والتنكيل. بذات المنطق فإنه كان على كل شعوب الأرض التي استعمرت واحتُلت أن تستسلم بحجة أنه لا قبل لهم بالغزاة الذين ما كانوا ليجرأوا ويقدموا على فعل الاحتلال ذاك لو لم يكونوا واثقين من تفوقهم من حيث القوة العسكرية والحربية. يتشدق أولئك الكتاب دائمًا بحب الحياة ويدعون إلى الكف عن سكب الدماء وإعطاء الحجة والعذر والمبرر للعدو بأن يقدم على عدوانه، وكأن من يقاومون ويصمدون أقل حبًا للحياة منهم، وهم من قال شاعر فلسطين، محمود درويش على لسانهم جميعًا « ونحن نحبُّ الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا»، فأي سبيل تركه لهم الاحتلال والاستيطان والحصار والدمار الذي لم يتوقف على مدى ستة عقود أو تزيد من الزمن؟ وكيف يجرؤ هؤلاء المثقفون والكتاب على مد أصابع اللوم والتقريع إليهم وكأنهم هم من شرعوا في شن الحرب على العدو، ناسين أو متناسين أن الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين لم تتوقف منذ 1948م حتى الآن. وبهذا الشأن يتساءل الكاتب خالد الدخيل في مقالته الأخيرة في صحيفة الحياة «متى توقفت الحرب الإسرائيلية على كل الفلسطينيين بمن فيهم أهل غزة؟»، ويمضي ليقول إن «الحرب لا تكون دائماً بإطلاق القذائف والصواريخ وحمم القنابل العنقودية والفوسفورية، بل تكون أيضاً بالاغتيالات، وتهديم المنازل، وسرقة الأرض، والاستيطان، والاعتقالات، والتهجير القسري، والإذلال على نقاط التفتيش المنتشرة في كل الأراضي الفلسطينية. ثم بعد ذلك شيطنة الضحية بأنه إرهابي يرفض الاعتراف بحق قيام دولة يهودية».