سُئل نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب صدوق اللسان» قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد» رواه ابن ماجه من حديث عبدالله بن عمرو. وكلمة الخم هو من خممتُ البيت إذا كنستَه، كما فسرها العلاّمة ابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث). إنها دعوة سامية من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتصفية القلوب. فالغل والحسد والبغي تصيب القلوب وتتغلغل فيها فتقتلها وتقتل من حولها. ترى هل سيكون هذا الشهر الفضيل محطة لننظر لما في قلوبنا ونقيّم أفعالنا وممارساتنا؟ ما نراه من حروب وقتل شنيع يخرج عن إطار قوانين الحرب المعروفة، وإن كانت الحروب لا تستجيب لأية قوانين إنسانية، يجعلنا نتساءل كيف لهؤلاء البشر أن يقتلوا إخوانهم في الإنسانية بل في الدين بهذه الصور المروعة؟! قد يكون البغي والغل والحسد هو ما ملأ تلك القلوب ونما مع نموها. وهذه كلها تأتي من الكراهية، فمن علمنا أن نكره؟ نلقي باللوم على جهات معينة وقد ننسى أنفسنا. للبيت دور كبير ولكننا لا نجرؤ على محاسبة أنفسنا. من الغريب أن كثيرا من الأسر لا تهتم بوجود أطفالها حولها عند حديثها عن السياسة والحروب والطائفية وغيرها مما تثير تساؤلات في نفس الطفل بل تثبت معلومات غير قابلة للتغير فيما بعد، فهي تُزرع فيه مبكراً ولا مجال لانتزاعها. نحن نحرص على منع أطفالنا من مشاهدة أفلام أو برامج مخلة بالآداب، وهذا جيد، ولكن من منا يمنع أطفاله من مشاهدة ما يعرض في التليفزيون أو غيره عن الحروب والقتال. الأخبار أصبحت تحمل لنا صوراً تقشعر لها الأبدان وعنفاً ليس له نظير، وأطفالنا بيننا يشاهدون ما نشاهد. أذكر عندما كنا نسمع المذيع يحذر بأن هناك صوراً ستعرض لا تناسب الأطفال ولا ضعاف القلوب. لم نعد نسمع هذه العبارة! من يعترف بأنه من ضعاف القلوب؟ حتى الأطفال لن يسمحوا لأي كائن بأن يقول له بأنك صغير ولا تقوى على مشاهدة مثل هذه المناظر. من العنف الذي يتعلمه الصغار، بل ويتدرب عليه، هو ما يوجد في ألعاب الفيديو الإلكترونية. وهذه قد نجد لها تحذيرات كثيرة ولكن من يسمع ومن يستجيب؟ أعتقد أنها مشكلة كثير من الأسر، ولكن في النهاية يكون الطفل هو الغالب في معظم الأحيان. مع الأسف نجد في مجتمعنا الطفل ذا الستة أعوام يلعب لعبة مخصصة لمن أعمارهم تزيد على الستة عشر عاماً. هذه الألعاب مليئة بالقتل والدم والاحتيال، يتخللها العنف المريع. ونحن نعلم كم يقضي أطفالنا من الساعات يتدربون على هذه الأمور بحجة أنهم «يلعبون». نجد في أمريكا وأوروبا أن هناك تقنيناً لعدد الساعات المعينة لألعاب الفيديو وتشديداً على المرحلة العمرية، وتقوم المدارس بمتابعة ذلك، وفي حالة العلم بأي تجاوز، تقوم المدرسة بإبلاغ جهات مسؤولة معينة تقوم هي بدورها بزيارة الأسرة ومحاسبتها، وهناك عدة عقوبات لمن لا يستجيب. إنها حماية العقول والقلوب. ما يسمعه ويشاهده أولادنا في البيوت نراه في المدرسة والشارع. فالطفل في المرحلة الابتدائية يسأل أستاذه من أي قبيلة هو! وما الريب في ذلك إن كان يسمع أسرته تتحدث عن تلك المرأة التي حكم القاضي بطلاقها من زوجها ووالد أطفالها رغماً عنهما بحجة عدم توافق نسبه مع نسبها! يتعلم طفلنا ببساطة معنى «توافق النسب» وكم هو قوي هذا النسب حتي يشتت شمل أسرة بأكملها. ناهيك عن الطائفية، فلو سألت طفلاً ما عن الفروق الطائفية في المجتمع، فسيخبرك حتماً بأمور لا تود أن تسمعها من كبير، فكيف من صغير. يدعو ملك الإنسانية لاتخاذ التدابير اللازمة لحماية الوطن من الإرهاب الذي يهدد أمن واستقرار الشعب السعودي. قد يكون وطننا في خطر، فلنتجاوز كل الشوائب، ولنصحح ما اقترفناه في حق أنفسنا وأولادنا ولنجعل شهر رمضان، الذي أنزل فيه الفرقان، شهراً لرسم الطريق لزرع الحب والسلام في أنفسنا وأنفس أولادنا وفي مجتمعنا بأكمله. في هذا الشهر الفضيل، تتشابه عاداتنا وممارساتنا اليومية، ندعو الله أن تتوحد أهدافنا ونياتنا كما توحدنا في كثير من هذه المظاهر والعادات، وأن يديم جمع شملنا كما نجتمع دوماً لتأدية الفرائض والعبادات. وكل رمضان وأنتم ترفلون بلباس السعادة والطمأنينة والسلام والأمن.