انهمك من تبقى من أطفال (الثاني الابتدائي) الذين سمح لهم أولياء أمورهم بالحضور إلى المدرسة نهاية الأسبوع الماضي في رسم ما طلبه معلمهم، فرسم الأول أعمدة إنارة وقد ارتمت في حضن الشارع وآخر رسم ما تبقى من يد شخص وهو يحاول الخروج من حوض ماء، طفل رسم نفسه يبكي وخلفه سيارة محطمة وأخرى هبط نصفها إلى بطن الأرض وبقايا عباءة لامرأة. لم يكن ذلك فلما (هنديا) بل قصة واقعية حدثت في إحدى مدارس جدة عندما طلب معلم التربية الفنية من طلابه رسمة معبرة عن المطر في الوقت الذي أعلنت فيه (الأرصاد الجوية) الثلاثاء الماضي بإحتمالية هطول الأمطار على جدة ورياح تتجاوز 44 عقدة في الساعة وارتفاع موج البحر إلى متر ونصف المتر، وتجهيز أمانتها بناء على خبر نشرته أخيرة «الشرق« في عدد الخميس الماضي عدد من (مواتير) الشفط وضعتها أمام عدد من الأنفاق التي شهدت خلال العامين الماضيين عند هطول الأمطار سيولا أدت إلى إغراقها. في طفولتنا، كنا نرسم المطر ببهجة، أطفال يلعبون وقوس قزح يملأ(اللوحة) فرحا، أما الآن تغير كل شيء، فالفرح تم انتزاعه، وجميعنا أصبح يهرول إلى المنزل احتماء كلما غاب قرص الشمس خلف إحدى السحب، ومدارس تغلق وجامعات تستنفر، كبار خائفون وأطفال يحملون في مخيلتهم صور الجثث وهي تطفو فوق الماء وذاكرة لا تخلوا من صور الذعر الذي شاهدوه على وجوه آبائهم وأمهاتهم في (حادثتي) جدة. عامان مضيا منذ أن أعلن خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله) عن تكوين لجنة تقصي الحقائق، وعامان أيضا ونحن وأطفالنا ننتظر من يهدئ روعنا كلما أمطرت السماء، بحجم قوة أمر (عبدالله) كنا بحاجة إلى (تنفيذيين) من ذوي الحكمة في وزاراتنا المتخصصة بتقديم الرعاية الاجتماعية والتربية يعالجون ما أصاب أبناءنا من فزع وخوف لا يزال في أعينهم حتى الآن، يمحون من ذاكرة هذا الجيل (من أطفال جدة) آثار (المطر)، قبل أن يتقادم بهم العمر ويصبحوا جيلا مختلفا محملا بالغضب والتمرد.. خاصة إذا أدركنا أن الأطفال لا يملكون أدوات كثيرة للتعبير، وهنا أراهن أن الكثير من أطفالنا قد وسمو بتلك الحالات النفسية التي قد تلازمهم طوال حياتهم بسبب (مواسم الأمطار) وعدم وجود خطة علاجية إستراتيجية من قبل تلك (الوزارات) نحوهم. ختاما، لن ينسى هذا الجيل ما حدث لهم في (مواسم المطر) ولن ينساه التاريخ أيضا، نطالب بالشفافية وجز الفساد وأن يحاسب كل من هو مسؤول عما حدث وليس فقط أمانة محافظة جدة ووزارة المالية. الرعب في (العروس) لا يزال ليس فقط من الأطفال حتى من الكبار وأكبر دليل على ذلك ما حدث الأسبوع الماضي، لذلك نحن بحاجة إلى معرفة خطط محافظة المدينة خاصة في هذه الأيام التي تتسم (بتهديدات) الأرصاد ودورها في توفير الخطط التشغيلية لمواجهة الأزمات. بحاجة أيضا إلى المتابعة والحزم والسرعة في تنفيذ وإنهاء المشروعات من الوزارات المعنية وإمارة المنطقة. لقد مللنا من أولئك المسؤولين الذين يأتون بعد حدوث الكوارث وقد بدوا بكامل أناقتهم إلى مواقع الحدث ل(يتفرجوا)! مللنا من الدراسات، مللنا من مشاهد الرعب التي أصبحت سمة في شوارعنا، مللنا من التأجيل المستمر لقضية (المتهمين) في كارثة السيول والتي كان آخرها تأجيل (آخر) إلى نهاية هذا الشهر، لا نريد لأحد أن يكون (كبش) فداء وفي نفس الوقت لا نريد أن ننسى بسبب طول الوقت معرفة الحقيقة. في دول العالم (المتقدم) لا يهتم المسؤول كثيرا بكاميرات المصورين وهندامه الأنيق، نريد مثل أولئك (هنا) نريدهم أن يخرجوا إلى الناس أن يطوفوا في حواري المدينة و(أزقتها)، أن يلتقوا بالبسطاء ويستغنوا عن (شياكتهم) ليروا الحقائق، أن يعلموا ما هي احتياجاتنا واحتياجات أبنائنا، فهم في مواقعهم ليس إلا لخدمة أبناء الوطن!