شكّلت سيول «الأربعاء الأسود» التي ضربت مدينة جدة أخيراً، وراح ضحيتها عشرات الأشخاص إضافة إلى الخسائر المادية الفادحة، رابطاً مخيفاً في أذهان الجداويين ومسؤوليهم بين الغيم والمطر وبين «الكوارث»، فبات «الفرار» قرار الجداويين عند كل مناسبة تتشكل فيها سحب سوداء وتبدأ الأمطار في الهطول كما حدث على المحافظة أول من أمس (الخميس). وإذ لم تشهد المدينة «المنكوبة» جراء تلك الأمطار ما يعكر صفوها بأي نوع من الحوادث، أو ما يعطل حركة السير المرورية أو الملاحة الجوية والبحرية، إلا أن الرابط المخيف بين الغيم و«الكوارث» سرق من الجداويين بهجتهم الكاملة ومتعتهم بالأجواء الجميلة، خصوصاً وأن تداعيات «الأربعاء الأسود» لا تزال مستمرة في أكثر من اتجاه، وجراح قاطنيها ندية، فكان التردد هو سيد الموقف بين محاولة الاحتفاء بالجمال وبين الرعب من البشاعة التي تنضح الذاكرة بصورها، إلا أن الأخير بات المنتصر غالباً مع كل بادرة إلى اشتداد وطأة المطر. وعكرت قطرات المطر المنهمرة التي كان سكان جدة ينتظرونها بصبر نافد يوماً ما، المزاج الاحتفالي الذي كان يكسو المحافظة في يوم الإجازة الأسبوعية الذي تزامن مع بدء إجازة الطلاب، لاسيما وأن شدة المطر تركزت على شمال المحافظة حيث معظم مواقع الترفيه التي يفر إليها السكان كالمطاعم العائلية والمجمعات التجارية والملاهي إلى جانب كورنيش جدة. فالأمر انعكس تماماً في أجواء المطر التي كانت فرحة نادرة في مدينة جدة، وتحول المشهد إلى فرار المتنزهين من تلك الأجواء وطيوف ضحايا الأربعاء الأسود ومشاهده تحوم حولهم، فيما تحولت الدعوات التي كانت تصاحب المطر على ألسنة السكان من الرغبة في المزيد من الخير، والطمع في رحمة الله، إلى الدعاء بتوقفه على خير. وبرزت مع كل زخة مطر، إلى جانب الرهبة التي أفسدت على الأهالي كل فرحة الغيث، تساؤلات واستفهامات وهواجس عدة يتناقلها الكثيرون فيما بينهم، حول مدى استعداد المدينة ومناطقها المتضررة تحديداً لأي أمطار قد تهطل بشدة، وماذا فعلت الجهات المعنية لتجاوز الخطر القائم على رأس المدينة التي لم تتعاف بعد من سيول الكارثة، وفصل الشتاء وموسم الأمطار لا يزالان مستمرين، خصوصاً في ظل اقتناعهم الكامل بأن الحلول الجذرية لمشكلات المدينة الأزلية مع تصريف المياه بأنواعها، تحتاج مشاريع ضخمة قد تأخذ أعواماً قبل أن تصير واقعاً ملموساً يحمي المدينة وسكانها. وازدادت تلك الهواجس أمس، مع توقعات الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في تقرير لها عن حال الطقس، أن يستمر وجود السحب الركامية الرعدية الممطرة على المرتفعات الجنوبيةالغربية والغربية، حيث تتهيأ الفرصة لهطول أمطار غزيرة إلى متوسطة تشمل مرتفعات الطائف والباحة وعسير وجازان ومنطقة مكةالمكرمة تمتد إلى منطقة المدينةالمنورة. كما توقعت أن تنشط الرياح السطحية على الأجزاء الداخلية من جنوب السعودية وغربها تمتد إلى الوسط والشمال مثيرة للأتربة والغبار قد تحد من مدى الرؤية الأفقية.