أثارت قرارات وزارة التجارة والصناعة المتتالية خلال الفترة الماضية بتغريم عدد من محطات الوقود في الرياض والتشهير بأصحابها ارتياحاً لدى المستهلكين، وطالبوا مزيداً من الحملات التفتيشية وتشديد الرقابة على هذه المحطات للحد من أساليب الغش التجاري، التي تتبعها في ظل استمرار سيطرة العمالة الوافدة عليها. وتتنوع أساليب الغش التجاري في المحطات ما بين خلط البنزين بالديزل أو خلط البنزين نوع 91 بالبنزين نوع 95 أو التلاعب في آلية المعايرة للعدادات. وعلى الرغم من صدور تنظيم جديد لإعادة هيكلة محطات الوقود على الطرق السريعة ومنح مهلة عامين لهذه المحطات لترتيب أوضاعها والتحول من الفردية إلى المؤسسية، إلا أن المحطات داخل المدن تحتاج تشريعاً مناسباً ليرتقي بالقطاع الذي ما زال يعاني الفوضى التنظيمية وسيطرة العمالة الوافدة والأفراد على معظمها ما يؤدي إلى عديد من المخالفات وأبرزها الغش التجاري الذي يعاني منه المستهلكون. وفي حين أشاد مواطنون بما تقوم به وزارة التجارة من حملات للحد من حالات الغش التجاري ودعوا لتشديد العقوبات، رأى مسؤولون في اللجنة الوطنية لمحطات الوقود ضرورة مراجعة الأنظمة والآليات المتبعة لضبط حالات الغش التجاري، مشيرين إلى وجود خلل في هذه الأنظمة والآليات المتبعة في تطبيقها. ووصف عضو اللجنة الوطنية لشركات محطات الوقود الدكتور ممدوح الرخيمي ما تقوم به وزارة التجارة بالأمر الإيجابي بكل المقاييس، لكنه دعا لإعادة النظر في نظام الغش التجاري الذي لا يرتقي إلى ما تقوم به وزارة التجارة من جهد حالياً، مشيراً إلى أن النظام نصب الضابط القضائي حكماً وخصماً في آن واحد، حيث إن المشغل أو التاجر لا يملك من خلاله آلية واضحة للمشاركة في عملية الضبط الأمر الذي يؤدي إلى السلطة المطلقة. وقال: جميعنا يعلم سلبياتها. تأهيل الضابط القضائي ولفت د. الرخيمي في هذا الصدد إلى أهمية تأهيل الضابط القضائي للقيام بأعماله واستيعاب الأنظمة التي يعمل في إطارها دون الاعتماد على الاجتهاد الشخصي. وشرح الدكتور الرخيمي الأمر قائلاً: إن الضبطيات التي يقوم بها الضابط القضائي في أعمال المعايرة لا تمت للنظام بصلة من الناحية التطبيقية، حيث إن الضابط القضائي لا يتبع ما ورد في منطوق النظام ولا يقوم باتباع المواصفة القياسية السعودية المحددة لطريقة فحص ومعايرة المضخات الكهربائية لتوزيع الوقود الأمر الذي قد ينتج عنه اتخاذ قرارات خاطئة لا تمت للنظام بصلة يتم إثرها تصعيد الأمر إلى الجهات الرقابية وديوان المظالم دون الاستناد إلى مواد النظام. وأوضح أن مثل هذا العمل قد يزج بكثير من الأفراد الذين لا حول لهم ولا قوة الذين يقومون بتشغيل المحطات إلى الغرامة والسجن والتشهير بسبب ما يقوم به الضابط القضائي من إجراءات خاطئة. وأضاف: كما أن الضابط القضائي قد يجتهد إلا أنه يصل إلى نتائج خاطئة فيما يقوم به من عمل لعدم درايته التامة بالأنظمة كون النظام يتطلب آلية محددة يجب أن تتم باستخدام أدوات بمواصفات محددة وفي وقت محدد، وفي ظل ظروف محددة وآلية محددة والتأكد من النتائج بتكرار العملية أكثر من مرة لكي يثبت الخلل وتوجيه الاتهام بالغش. وأعرب عن أسفه لعدم تقيد بعضهم بالآليات المحددة نظاماً، وتحري الدقة في عملهم وتوجيه مخالفات بالغش من هذا النوع تزج بأصحاب محطات الوقود أمام الجهات القضائية، وقد تكبدهم سمعتهم مبالغ طائلة من تكاليف لمحامين وغرامات مالية. وأضاف: إن جهود الوزارة في مكافحة الغش التجاري تستحق الشكر والتقدير على الرغم من أنها جزء أصيل من مسؤولياتها. إلا أن الوزارة من خلال نشرها مخالفات دون التحقق من سلامة الإجراءات التي يقوم بها الضابط القضائي «مفتش الوزارة» هي بذلك تشهر بأصحاب المحطات وتؤثر على استثمارات المواطنين في هذا القطاع ظناً منها أنها تنصف المستهلك. وعن علاقة اللجنة الوطنية لشركات محطات الوقود مع الوزارة، أشار د. الرخيمي إلى أن اللجنة خاطبت وزارة التجارة بهذا الخصوص وشرحت وجهة نظرها المتعلقة بالتأثيرات السلبية التي قد تنتج عن أخطاء بعضهم من ضباط التفتيش، كما أبدينا حرص اللجنة على التعاون في كل ما يحقق مصالح جميع الأطراف، «الوزارة، المشغلين والمستهلكين»، ويحقق الممارسات الصحيحة لهذا القطاع الحيوي. وأضاف قائلاً: وحتى لا يظلم أي طرف من الأطراف نتيجة أخطاء غير مقصودة فإننا نناشد المعنيين في وزارة التجارة بفتح الباب والاستماع بجدية لأعضاء اللجنة الوطنية لشركات محطات الوقود، التي تضم في عضويتها مديري كبرى الشركات العاملة في قطاع محطات الوقود وخدمة السيارات، بما لديهم من خبرة في هذا المجال. مؤكداً أن جميع الشركات الوطنية العاملة في هذا المجال تشترك مع الوزارة في الهدف نفسه بالنسبة لخدمة المستهلكين وتود أن تتعاون مع الوزارة من خلال ورش العمل والتدريب المستمر لتقديم حلول تساهم في تطوير القطاع والقضاء على بعض أساليب الغش التجاري. وفي المقابل أشاد مواطنون بما تقوم به وزارة التجارة من حملات تفتيشية مفاجئة على محطات الوقود لضبط حالات الغش التجاري ودعا هؤلاء لتشديد العقوبة على أصحاب المحطات خصوصاً عند تكرار المخالفة، كما دعا آخرون إلى تفعيل آلية لتعويض المتضررين حتى يعطي الإحساس بالأمان للمستهلك. كما شدد مستهلكون على ضرورة إعادة هيكلة قطاع محطات الوقود ووضعه تحت رقابة صارمة في ظل سيطرة العمالة غير السعودية على 90% من الوظائف المتاحة فيه وطالبوا بدمج تلك المحطات في شركات كبرى خصوصاً في ظل تدني مستوى الخدمات وكثرة المخالفات وضعف الرقابة على هذا القطاع المهم. وفي حين أشاد أحمد المطلق بما تقوم به وزارة التجارة إلا أنه تساءل ماذا لو أخطأت بالتقدير؟ هل يستطيع صاحب المحطة أن يعترض دون أن يرفع قضية؟ فالوزارة هي القاضي والحكم.. وتقوم بإصدار أحكام هي في حقيقتها قضائية. ورأى المطلق أنه من المفروض بطريقة أو أخرى أن تكون هناك جهة محايدة لكن بطريقة لا تقلل من فعالية وزارة التجارة. وفي إطار عمليات الغش التجاري وغياب الآليات لضبطه، تطرق نائب رئيس اللجنة الوطنية لشركات محطات الوقود المهندس أحمد الفالح إلى موضوع خلط البنزين، مشيراً إلى أنه لا توجد آلية محددة لتوضيح كيفية التعامل مع المادة المخلوطة وفحصها من قبل المشرع. وقال: لا توجد أطراف محايدة للتأكد من هذا الأمر، ويترك الأمر هنا أيضا لتقدير الضابط القضائي ليكون هو الحكم والخصم في نفس الوقت. وأشار الفالح إلى أهمية وجود آلية للتثبت من عملية الخلط للتأكد من قبل كافة الأطراف أن المادة أو العينة المأخوذة هي نفس العينة التي تم الحصول عليها من المحطة، وذلك من خلال أخذ ثلاث عيّنات في إناء محكم الغلق ويوقع عليه من قبل كافة الأطراف المعنية بحيث يحتفظ المشغل بعيِّنة، والضابط القضائي بعينة، والعيِّنة الثالثة تعرض على المختبر المختص للفحص والتحليل، وفي حالة عدم قناعة أحد الأطراف بالنتائج يتم فحص العينات الأخرى في مختبر محايد، ويتم الحكم على النتائج عندما تظهر نتيجة فحص العينات الثلاث، حيث إن اثنتين من ثلاث سوف تتطابق إما بالإيجاب أو السلب، وهذه هي الطريقة المحايدة التي تعطي كافة الأطراف الحق في الاعتراض على النتائج وليست بالأسلوب والطريقة التي ينتهجها الضابط القضائي حالياً التي تعطيه السلطة المطلقة في التحكم بالعينة، ولا يكون للمشغل أي إمكانية للتأكد والتثبت من أن العينة التي تم فحصها هي نفس العينة التي تم الحصول عليها من المحطة التابعة للمشغل. ودعا الفالح وزارة التجارة لضرورة مراجعة نظام الغش التجاري مراجعة كاملة مع أهل الاختصاص وإشراك المعنيين بالأمر، الذين يمثلون القطاع إضافة إلى شركات المعايرة والمعامل المتخصصة في إعداد الآليات التي تكفل حق كافة الأطراف مشرعاً ومستهلكاً ومقدماً للخدمة. وأعرب عن أمله ألا تقوم الوزارة منفردة بمراجعة النظام وإعطاء كافة حقوق التصرف والضبط لها وللضابط القضائي بدعوى أنه مؤتمن من قبل الدولة ولا مصلحة له في أن يقوم بأي عمل مخالف. ولفت مجدداً إلى أن السلطة المطلقة مفسدة، وما كل مؤتمن يعمل بأمانة، مشدداً على أهمية وضع الضوابط التي تحكم العلاقة بين الأطراف بشفافية للوصول إلى العدل، ورأى أهمية أن تفرض وزارة التجارة على المحطات والناقلين توفير أجهزة متخصصة يمكن من خلالها فحص العينات في الموقع بحيث تظهر النتائج على الفور. ولفت في هذا الصدد إلى أن الخلط ربما يكون قد تم قبل وصول المنتج إلى المحطة، وذلك بقيام السائقين العاملين لدى الناقل بتفريغ كميات من الوقود وإضافة مادة أخرى لتعويض النقص، ومن ثم التوجه إلى المحطات التي على إثرها يتم اتهام صاحب المحطة بالخلط. وخلص إلى القول: من هنا يتبين أن المحطة ليست المكان الوحيد الذي يتم به الخلل. وقال: على شركة أرامكو دور مهم للتأكد من سلامة المنتج وذلك بوضع آلية لترصيص خزانات شاحنات الوقود قبل مغادرتها محطة أرامكو لكي يتم التأكد من عدم فتح الخزانات الناقلة للوقود بين محطة التحميل والتفريغ. علماً بأن بعض الشركات العاملة تبذل المستحيل للسيطرة على أعمال التلاعب والخلط وقد أبدت استعدادها لإنشاء شركة لهذا الغرض وتحمل تكاليف الترصيص والعمالة وخلافه. وأكد الفالح أهمية مشاركة اللجنة في التنظيم الجديد كونهم من يعيش العمل بصفة يومية ويعلم خباياه ومشكلاته من كافة النواحي خلاف المشرع الذي ينظر إلى الناحية الرقابية فقط. وأشار في هذا الإطار إلى ضرورة تحديد المسؤولية التي تبدأ من العمالة التي تقيم في المحطة ومن ثم المشرف المباشر على المحطة للوصول للمتسبب الحقيقي في عملية الخلط وألا تلقى التهمة جزافاً على مالك المحطة أو مدير الشركة.