لعب الإعلام التقليدي خاصة الجماهيري سابقاً دوراً كبيراً في توجيه الرأي العام للقضايا الكبرى والصغرى على حد سواء، حيث كان هو المصدر الوحيد المتوفر للأغلبية، بينما استطاع البعض متابعة بعض القنوات الإذاعية الخارجية للوصول للأخبار غير المتاحة في الإعلام السعودي! ومن ثم كان المجتمع يستمد من وسائل الإعلام الأخبار والتعلم والترفيه وتطوير الذات وكل ما يخص البيئة، والبدائل آنذاك قليلة إن لم تكن معدومة عند الأغلبية، هذا يدل على علاقة قوية جداً ولكن من طرف واحد، حيث لم يكن الإعلام التقليدي يعير تطلعات وآراء المجتمع والفرد أي أهمية تذكر. ظلت هذه العلاقة على هذا المنوال حتى بعد ظهور الإعلام الجديد لفترة ليست بالقصيرة لأربعة أسباب هي: عدم وجود دعم رسمي وتنظيمي، وضعف الإعلام الجديد في بداياته، وكذلك صعوبة تقبل ملاك ومسؤولي الإعلام التقليدي فكرة مزاحمة الإعلام الجديد لهم، ناهيك عن قدرة الإعلام الجديد على اكتساح السوق إعلامياً وربحياً، السبب الرابع كون الإعلام التقليدي محكوماً في خروج المنتج النهائي بعدة عوامل، منها السيطرة شبه الرسمية، ولذلك كان على صناع القرار الإعلامي استشعار التوجهات الرسمية بخصوص زيادة مساحة حرية الرأي ومدى قبول مشاركة المدارس الفكرية والدينية المتعددة وغيرها. بعد انتشار الإعلام الجديد وسيطرته جزئياً على حصة كبيرة من اهتمام وثقة الجمهور، أدى ذلك لتغير قسري في العلاقة بين المجتمع ووسائل الإعلام الجديد وكذلك القديم، ومن باب التوضيح لا الدقة فإن العلاقة المكتسبة بين الإعلام الجديد والمجتمع هي ذات الكمية –مجازاً– المفقودة بين الإعلام التقليدي والمجتمع. بالطبع مميزات الإعلام الجديد هي سبب عزوف البعض عن الإعلام التقليدي وتناقص الولاء التدريجي، رغم أن موجة العزوف كانت في بداياتها عالية وما أن لبثت حتى انخفض مستواها، وذلك لطبيعة الإنسان التواقة لمعرفة الجديد، ومن ثم انحسار البعض لعدم وجود كل رغباته أو ميوله، وبسبب ضعف المهنية في الإعلام الجديد إجمالاً، مع التأكيد على وجود وسائل إعلام جديد نافست التقليدي وما زالت إن لم تكن تفوقت. أيضاً ما قدمه الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي –تحديداً– للمجتمع يعتبر ثورة في عالم الاتصال والإعلام من حيث التواصل والتأثير والتطلعات، فالتأثير الإجمالي للإعلام التقليدي خلال فترة زمنية معينة يمكن أن تحدثه تغريدة في «تويتر» أو خاطرة في «فيسبوك» من أحد المشاهير أو قادة الرأي العام. ورغم أن هذه الوسائل استقطبت المفكرين والمثقفين وقادة الرأي العام إلا أن مشاركة الجميع على اختلاف توجهاتهم ونياتهم وقدراتهم جعلت هذه الوسائل سلاحاً ذا حدين. والعلاقة بين الوسائل والمجتمع قوية جداً ولا يمكن مقارنتها بأي إعلام آخر، إلا التليفزيون في قنواته الفضائية المتعددة، فجمهوره مستمر ومازال يقدم إشباعاته الخاصة التي لم تتمكن منها وسائل التواصل الاجتماعي أو مازالت ضعيفة في تقديم هذه الإشباعات. القنوات الفضائية المرئية والمسموعة تفوقت على المنتج المحلي وأجبرته على محاكاة الشكل الخارجي لها، لكن عدم المحاكاة في المضمون وضع التليفزيون السعودي والإذاعة في أحد رفوف التاريخ رغم وجودهما في هذا العصر، ولكن في عصر التقنية والمفاجآت الإعلامية والاتصالية لا يمكن التنبؤ بمستقبل القنوات الفضائية ومدى استمرار هذه العلاقة المتينة مع المجتمع. أما الصحافة التقليدية فقد استطاعت بعد فترة ليست بالقصيرة مواكبة التطور التكنولوجي والانفتاح الفكري في المجتمع، وزيادة مساحة حرية الرأي للمواطن السعودي، ما أدى إلى حفظ مكانتها الإعلامية وعلاقتها الجيدة مع المجتمع. ورغم تكهنات الإعلاميين أنفسهم بسقوط الصحف الورقية قريباً بعد مزاحمة الإعلام الجديد لها، إلا أن ذلك لم يحدث ومازال بريق بعض الصحف الورقية ملحوظاً في نسخها الإلكترونية، إلا أن استمرار ذلك غير مضمون، فدخل الإعلانات في تناقص، ورجيع الصحف في ازدياد.