يقف الاقتصاد العالمي بكامل ثقله مرة أخرى أمام فصلٍ جديد من فصول الأزمة المالية العالمية، التي يعتقد الأغلبية أن نقطة انفجارها كانت في منتصف سبتمبر 2008، في حين كانت نواتها الأولى التي انفجرت سابقاً في فبراير 2007، والتي من بعدها ظلت الأسواق المالية العالمية تترنح على وقع حقل ألغام دخلته منذ ذلك التاريخ ، واستمرت تتفجر في وجهها واحدة تلو الأخرى، إلى أن انفجر اللغم الأكبر في 15 سبتمبر 2008، حينما انخفضت أسهم البنك الأمريكي العملاق (Lehman Brothers) أكثر من 45 في المئة، ما أضطرّهُ أمام انكشافه الفادح تجاه تلك القروض الرديئة إلى طلب الحماية بإعلان إفلاسه طبقاً للمادة 11من قانون الإفلاس الأمريكي (تابع المزيد من التفاصيل في ختام هذا التقرير). كما يُلاحظ القارئ من الرسم البياني أدناه، أن مسار تدفقات رؤوس أموال السعوديين الهاربة إلى الأسواق الخارجية، أخذت وتيرته في التصاعد منذ الربع الثاني من عام 2006 بعد الانهيار المروّع للسوق المالية السعودية، وهو ما فاقم حينها من وقْع الخسائر على السوق ،واستمرّت على هذا النحو إلى أن انفجرت النواة الأولى للأزمة المالية العالمية بالانفجار كما أشرتُ أعلاه، لتبدأ الأموال السعودية الهاربة في عكس مسارها هرباً من التداعيات التي توقعَتها عقب تلك التطورات في الأسواق الخارجية، وهو ما توقعته أيضاً في منتصف عام 2007 في تقرير نشرته آنذاك بعودة نحو 64 مليار ريال إلى الاقتصاد المحلي (مصائبُ أسواق عند أسواق فوائدُ !)، وأن عودتها من شأنها أن تساهم في إعادة السيولة والثقة إلى السوق المالية السعودية التي افتقدتها منذ نهاية فبراير 2006، وهو ما حدث بالفعل كما هو موضح في الرسم البياني أدناه، لتحقق السوق المالية مكاسب فاقت آنذاك 45 في المئة. سرعان ما تأثرّت وقتها بالسياسة النقدية المتشددة التي انتهجتها مؤسسة النقد العربي السعودي آنذاك مع مطلع نوفمبر 2007م حينما بدأت في رفع نسب الودائع النظامية على الودائع تحت الطلب والودائع الإدخارية والآجلة (كما هو موضح في جدول رقم 1)، وذلك بهدف الحد من التضخم، تزامنت مع أكبر إدراجات في السوق المالية شهدتها في تاريخها خلال النصف الأول من عام 2008م (كان من أبرزها شركة رابغ، زين، مصرف الإنماء، معادن)، ساهمت جميع هذه التطورات الأخيرة في انهاك قوى السوق المالية السعودية، لذاعادت السيولة للخروج من كل من السوق والاقتصاد الوطني باتجاه الأسواق الخارجية، ولم تستطع السوق الصمود طويلاً أمام تداعيات الأزمة المالية العالمية التي انفجر فصلها الأكثر عنفاً في منتصف سبتمبر 2008م، ما أدّى وقتها إلى عودة جزء من السيولة المالية للسعوديين لفترة محدودة، ما لبثت أن عادت للخروج بصورةٍ أكبر مما سبق، واستمرت في ذلك الاتجاه حتى تاربخنا الراهن. في الوقت الراهن، نشهد جميعاً الاقتصاد العالمي وأسواقه المالية ترتعد فرائصهما أمام فصلٍ جديدٍ من فصول الأزمة المالية العالمية، فصل يُصنّف على أنه من العيار الثقيل جداً ممثلاً في أزمة منطقة اليورو، التي تعاني من ارتفاع مديونياتها المالية الهائلة على حكوماتها العاجزة، يُقدّر أن تستمر بضغوطها على الأسواق العالمية لفترةٍ قد تطول، بل إن بعض التوقعات تُصرّح بأنها قد تخلف آثاراً مدمرة لا يمكن احتساب تقديراتها الرقمية على الاقتصاد العالمي، غير أنها دون شك إن حدث وتفاقمت فستمتد إلى خفض معدلات النمو الحقيقي، ورفع معدلات البطالة، وافلاسات البنوك التجارية، وخفض معدلات التبادل التجاري العالمي، إضافةً إلى ضرب الثقة في قنوات التدفقات الاستثمارية بين مختلف الاقتصادات التي تتجاوز بقيمها التريليونية عالمياً أضعاف حجم الاقتصاد العالمي. كل هذا لا شك أنه سيترك خلفه آثاراً لا يتسع المجال هنا للحديث عنها، غير أن ما يهمنا هو موقف الاقتصاد السعودي، والسوق المالية في مقدمة الاعتبارات المحلية، وهل ستستفيد من عودة جزء من تلك السيولة المالية المحلية التي خرجت لتلك الأسواق الخارجية؟ وهل سيتكرر ما حدث في النصف الأول من عام 2007م ، من عودة جزءٍ منها؟ وهل سيكون له تأثيراً إيجابياً على السوق المالية المحلية؟ خاصةً وأننا نتحدث عن أكثر من ربع تريليون ريال هي حصيلة الأموال التي خرجت فقط خلال الفترة 2006-2011، هذا ما يجبمراقبته خلال الفترة القصيرة الأجل القادمة، والذي تنطلق مؤشراته تحت المراقبة من أرصدة صافي الموجودات الأجنبية للمصارف السعودية التي تنتظم مؤسسة النقد العربي السعودي في نشرها شهرياً، والمؤشر الثاني من صافي تدفقات استثمارات السعوديين المبينة في ميزان المدفوعات الذي تنتظم أيضاً مؤسسة النقد في نشره بصورةٍ ربع سنوية. أخيراً، هناك اعتبارٌ بالغ الأهمية يجب أن لا يتم اغفاله؛ ألا وهو ملف فتح أبواب السوق المالية السعودية أمام الاستثمارات الأجنبية، وهو الملف الذي أشار إليه صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير عن الاقتصاد السعودي، الذي إن حدث خلال الستة الأشهرٍ القادمة فلا شك أنه إزاء المخاطر المرتفعة خارجياً، سيُحفز السيولة المالية الهائلة السعودية في الخارج للعودة إلى السوق المحلية، لتتخذ مراكزها الاستثمارية استباقاً للاستثمارات الأجنبية المحتملة، والتي قد تتزايد قياساً على الجاذبية المرتفعة التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي مقارنةً ببقية الاقتصادات حول العالم ، والمؤكد أيضاً أن مراقبة تلك المعطيات ستكون حاضرة بصورةٍ مكثفة للفترة القصيرة القادمة من قبل المراقبين ومجتمع المستثمرين. وهو ما سيتم تجديده هنا كلما استجد شيئ على هذا السطح. للمزيد من التقرير.. http://abdulhamid.net/archives/2527