يُشكّل قرار مجلس الوزراء الصادر أمس في قضية المساهمات العقارية خارطة طريق واضحة لحلّ واحدة من المعضلات الاقتصادية السعودية. خاصة في جانبه القضائي والإجرائي الذي يسرّع خطوات الحلول في اتجاه النهايات السعيدة للقضايا العالقة منذ سنوات. وأكّد ذلك اقتصاديون وخبراء ممارسون وعلى مقربة من المعضلة، وأكّدوا ل «الشرق» أن تطبيق الآلية الجديدة التي دخل القضاء على خطها بشكل أكثر مرونة من شأنه يُحلحل عديدا من تعثر المساهمات. المحلل الخبير الاقتصادي فضل بوالعينين قال إن وزارة التجارة بعد دخول الدكتور ربيعة عملت عملاً متميزاً وقامت بحل كثير من مشكلات المساهمات العقارية التي كان يعتقد أنه من الصعب حلها. لكنه أضاف أن المشكلة ليست في تفريغ قضاة لمعالجة تلك القضايا، بل يجب أن يكون هناك بت مباشر في وضع جدول زمني لتصفية تلك المساهمات مباشرة، ومن ثم حل ومعالجة القضايا العالقة. ويرى بو العينين أنه لا يمكن أن «ندع تلك الأراضي محتكرة بسبب قضايا عالقة لا يمكن معالجتها، والمطلوب هو توجيه القضاة لإنهاء هذه القضايا بالاجتهاد التي يحقق المصلحة العامة. يضيف بو عينين: أن جزءاً من الذي تواجهه السوق العقارية اليوم هو عدم وجود الأراضي وهذه المساهمات الكبرى في حال فكها وإعادة بيعها ستوفر معروضاً جيداً من الأراضي في القطاع العقاري، وأقترح على وزارة الإسكان بما أن هناك مشكلة في توفير الأراضي شراء تلك المساهمات بأسعار مناسبة فتنزع تلك الملكيات للمصلحة العامة ويتم تخصيص تلك الأموال في حسابات خاصة، وكذلك معالجة أي قضية فيما يتعلق بقضايا الإرث ونحو ذلك لاحقاً، وهذا الأمر طبق في نزع ملكيات الحرم في المرحلة الأولى، ونحتاج إلى توجيهات وزارة الإسكان بشراء تلك المساهمات المتعثرة الموجودة ضمن النطاق السكاني وأن تقوم بتحويلها لمساكن للمواطنين ويكون البيع للحكومة وليس للمواطن. وقال أي مخطط يتم تسويته سيساعد في ضخ مزيد من العرض في سوق العقار ولكن يعتمد هذا على حجم المساهمة، فالمساهمات الصغيرة لن يكون لها تأثير كبير، أما المساهمات الكبيرة فلاشك سيكون لها تأثير لاسيما في المنطقة التي يتم فك هذه المساهمات، لافتاً إلى أن عدد المساهمات المتعثرة كثير وتصل قيمتها للمليارات، وبعضها متعثر منذ أكثر من 30 سنة، و تتصدر الرياض المساهمات العقارية المتعثرة. وقال أنه لا يؤيد المساهمات العقارية المرتبطة بتوزيع الأراضي، ولكنه يؤيد المساهمات العقارية التي تقوم بتحويل الأراضي الخام إلى منتجات نهائية، ومن ثم بيعها في السوق وتحقيق أرباح من خلالها. وبهذه الطريقة والآلية نقضي على مشكلة المضاربة في الأراضي البور أو البيضاء ونجعل المضاربة الحقيقية أو الاستثمار في الوحدات النهائية، أشار إلى أنه رغم أن المساهمات قد أوقفت إلا من خلال النظام إلا أن هناك مساهمات تحدث بين مستثمرين ثقات تحدث فيما بينهم يقومون بشراء مساحات من الأراضي الخام ومن ثم تخطيطها وبدلاً من بيعها كأراض بيضاء يتم بناؤها وتطويرها وبيعها كوحدات سكنية وهو ما يحقق الفائدة المرجوة للقضاء على أزمة السكان، بينما أن المضاربة على الأراضي البيضاء ساهم في رفع الأسعار. من جهة موازية؛ رحب المحلل الاقتصادي المهندس زهير حمزة بقرار مجلس الوزراء، وقال: إن هناك حراكا ونشاطا ومتابعة من وزير التجارة، ولكن لا نعرف ما هي الصعوبات التي تواجه الوزارة في إنهاء تلك التصفيات وإرجاع الحقوق للمساهمين. وثمن القرار وأنه خطوة إيجابية، لافتاً إلى أن تأخر إجراء تلك التصفيات قد يرجع إلى عدم وجود العدد المناسب من الأكفاء أو المتابعين أو أية موانع أخرى، لاسيما أن المساهمات العقارية تعتبر من المشكلات القديمة والمستعصية، لافتاً إلى أن سوق الأراضي لن تتأًثر بالقرار ولكن الثقة ستعود للمساهمين بشكل أكبر عندما تشكل صناديق أو مساهمات وفق الأنظمة التي شرعتها الحكومة، وسوف تعمل حراكا وثقة لديهم ولن يترددوا في استغلال الفرص العقارية التي ستعود بالمنفعة على المواطن أو المستثمر، وأضاف أنه لن يكون هناك أي تأثير مباشر على سوق الأراضي ولن يزيد العرض على الطلب، والهدف فقط إعادة تلك الحقوق لأصحابها، إلا إذا تمت إعادة استثمار وتوظيف تلك الأموال بمشاريع جديدة وأفضل وبالتالي قد نجد نتائج إيجابية قد تؤثر على أسعار الأراضي والطلب عليها. أما المحلل الاقتصادي الدكتور علي التواتي فيرى أن هذا القرار صدر من مجلس الوزراء أساساً عام 1430 لحصر وتصفية المساهمات العقارية التي لم تخضع لأي نظام ولم يتم التنسيق بشأنها مع وزارة التجارة والصناعة، وشكلت بموجب الأمر الملكي لجنة في وزارة التجارة لهذا الغرض، وتبين أن هناك 62 مساهمة عقارية حينها. وأضاف التواتي: تبيّن أن بعض هذه المساهمات لم تتمكن اللجنة من الاتصال بمنظميها عبر عناوينهم المعلنة، أما من تمكنت اللجنة من الوصول إليهم، فقد اتفقت معهم على آلية حصر وتصفية مساهماتهم، ولغاية الآن ما زالت اللجنة توجه نداءات لأصحاب 9 مساهمات عقارية لم يتعاونوا مع اللجنة حتى بمجرد الاتصال بها. وحتى أولئك الذين تعاونوا واجهت اللجنة عوائق في عملية تصفية مساهماتهم «عوائق قضائية كثيرة»، منها عدم تفرغ قضاة لهذا الغرض، والتسويف في مواعيد الجلسات مما أدخل اللجنة في بيروقراطية النظام العدلي، وبالتالي كان لابد من اللجوء مرة أخرى إلى مجلس الوزراء لحسم القضية بتعميد وزارة العدل بتخصيص قضاة متفرغين لغرض إتمام أعمال التصفية وتسريع هذه العملية لإنهاء هذه الملفات المعلقة وإعادة الحقوق لأصحابها. خاصة وأن معظم المساهمين هم من الأفراد قليلي الحيلة وقليلي رأس المال وهم بأمس الحاجة لعودة أموالهم إليهم في أسرع وقت ممكن. وقال التواتي: نحن لا نلقي بالمسؤولية على النظام القضائي، وإنما جانب منها، وذلك لأن هيكلة القضاء المتخصص مازال يحبو ولم تكتمل بنية المحاكم المتخصصة بعد. وبالتالي فإن القضاة الموجودين حالياً لا يمكنهم تغطية مختلف القضايا وبالشكل القياسي الذي يتوقعه المتقاضون. وأشار إلى أن لدينا في المملكة نقصاً كبيراً في عدد القضاة لمختلف القضايا، وبالتالي كان يجب أن تنبه وزارة العدل إلى خطورة تعليق حل قضايا المساهمات وعقود عديدة بالنسبة لبعض المساهمات وهذا يبرز مدى الحاجة لاستكمال افتتاح المحاكم المتخصصة وبأسرع وقت. وأشار التواتي إلى أن المساهمات العقارية سببت ألما كبيرا للمواطن والمسؤولين أيضاً، لأنها لم تقم على أسس نظامية ولم تصدر فيها رخص رسمية، لكن حينما تفجرت مشكلاتها ألقت بثقلها على أجهزة الدولة التي لم تكن مستعدة أصلاً لاستقبالها، فهي تعتبر عبئا إضافيا لم يكن محسوباً حسابه مما دفع مجلس الوزراء لتشكيل اللجنة، واليوم يدفع أيضاً بمجلس الوزراء لتوجيه وزارة العدل بتسريع إنهاء إجراءات التقاضي بشأن هذه المساهمات. فهي من الأصل كانت عبئا على الدولة وهذا العبء تتحمله الدولة ربما لأنها أهملت السيطرة على تلك المساهمات عند بدئها وتجميع أموالها من الناس.